سَبِيلاً)(١) ، ثم حاولوا التجرد عن تحديدات السنة لمفاهيمها وأجزائها وشرائطها وموانعها ، فهل تستطيعون ان تخرجوا منها بمدلول محدد؟ وما يقال عن هذه الآيات يقال عن غيرها ، فالقول بالاكتفاء بالكتاب عن الرجوع إلى السنة تعبير آخر عن التنكر لأصل الإسلام وهدم لأهم معالمه وركائزه العملية.
وقد قامت محاولات على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعده للتشكيك بقيمة السنة ، أمثال ما حدّث به عبد الله بن عمرو ، قال : «كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أريد حفظه ، فنهتني قريش ، فقالوا : انك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا ، فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك للرسول ، فقال : اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق» (٢).
وربما كان من ردود الفعل لموقف قريش هذا من السنة قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يحذر من مغبة تركها : «لا ألفينّ أحدكم على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» (٣).
وقد حاولوا بعد ذلك ان تصبغ هذه الدعوة الهادمة بصبغة علمية على يد أتباعهم بعد حين ، فاستدلوا لها بأن القرآن نزل تبيانا لكل شيء ، وأمثالها من الأدلة التي ذكرها الشافعي في كتابه الأم وردّ عليها بأبلغ ردّ ، وخلاصة ما جاء في ردّه : «إن القرآن لم يأت بكل شيء من ناحية ، وفيه الكثير مما يحتاج إلى بيان من ناحية أخرى ، وسواء في ذلك العبادات والمعاملات ، ولا يقوم بذلك إلا الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بحكم رسالته التي عليه ان يقوم بها ، وفي هذا يقول الله تعالى :
__________________
(١)سنن أبي داود : كتاب العلم ، الحديث : ٣١٦١ ، لمزيد الاطلاع راجع كتاب المدخل للفقه الإسلامي ص ١٨٤.
(٢) سنن الترمذي : كتاب العلم ، الحديث : ٢٥٨٧ ، وسنن أبي داود : كتاب السّنّة ، الحديث ٣٩٨٩ ، وسنن ابن ماجة : كتاب المقدمة ، الحديث : ١٣. راجع كتاب في الحديث النبوي : ص ١٦ ، ط. ٢ ، لمصطفى الزرقاء ، وبمضمونه وردت عدة أحاديث اقرأها في الموافقات : ٤ ـ ١٥.
(٣) سورة آل عمران : الآية ٩٧.