الجواب على كل ما استدل به في هذا المورد ، كاستدلال الأستاذ عمر عبد الله على لزوم التجزي بقوله : «لو لم يتجزأ الاجتهاد للزم ان يكون المجتهد عالما بجميع الأحكام ، وذلك باطل قطعا ، فقد سئل كثير من المجتهدين عن مسائل ، فأجابوا عن بعضها ولم يجيبوا عن البعض الآخر» (١).
وهذه الملازمة انما تتم إذا أراد من الاجتهاد إعمال الملكة ، ومن العلم بجميع الأحكام فعلية العلم ، وإلا فمع الالتزام بكون الاجتهاد ملكة لا يلزم المجتهد العلم بمسألة واحدة فضلا عن جميع المسائل ، والطبيب ـ بعد تخرجه ـ طبيب وإن لم يداو واحدا من المرضى.
وكذا لو أراد من العلم شأنية العلم ، إذ لا مانع من ان يكون لصاحب الملكة شأنية العلم بجميع المسائل.
ومع تمامية الملازمة فاللازم لا يكون باطلا لما ذكره من سؤال بعض المجتهدين وعدم إجابتهم للجهل بما سئلوا عنه ، لجواز ان يتسرب الشك إلى اجتهادهم قبل ان يتسرب إلى القاعدة ، فالأنسب تعليل بطلان اللازم بامتناع الإحاطة بجميع الأحكام عادة.
والغريب ان يقع بعض القائلين بامتناع التجزي بنفس المفارقة من الخلط بين الملكة وإعمالها ، فالأستاذ خلاف في الوقت الّذي يعلل فيه عدم التجزي بقوله : «لأن الاجتهاد ـ كما يؤخذ مما قدمناه ـ أهلية وملكة يقتدر بها المجتهد على فهم النصوص واستثمار الأحكام الشرعية منها ، واستنباط الحكم فيما لا نصّ فيه ، فمن توافرت فيه شروط الاجتهاد وتكونت له هذه الملكة لا يتصور ان يقتدر بها في موضوع دون آخر» (٢) ، يعود فيقع في المفارقة نفسها عند ما يتم دليله فيقول :
__________________
(١) سلم الوصول : ص ٣٤٢.
(٢) علم أصول الفقه لخلاف : ٢٦٢.