فارس والروم، وفتحوا بلادهم، واختلطوا بهم في المصاهرة والمعاملة والتجارة والتعليم، دخل في لسانهم العربي المبين وصمة اللسان الأعجمي (فخفضوا المرفوع ورفعوا المنصوب وما إلى ذلك من كثرة اللحن الشنيع) حتى كاد أسلوب النطق العربي يتلاشى لأسباب كثيرة.
(أ) من ذلك ما نقل عن أبي الأسود الدؤلي أن ابنته رفعت وجهها إلى السماء وتأملت بهجة النجوم وحسنها، ثم قالت (ما أحسنُ السماءِ؟؟) على صورة الاستفهام.
فقال لها يا بُنية «نجومُها».
فقالت: إنما أردتُ التعجب.
فقال لها: قولي «ما أحسنَ السماءَ» وافتحي فَاكِ.
(ب) ومن ذلك ما سمعه أيضاً أبو الأسود الدؤلي من قارئ يقرأ قوله تعالى: «إنَّ الله بَرِيءٌ من المُشرِكينَ وَرَسُولِهِ» بجر رسولِه ففزع من ذلك أبو الأسود، وخاف على نضرة تلك اللغة من الذبول وشبابها من الهرم، وجمالها من التشويه، وكاد ينتشر هذا الشبح المخيف مع أن ذلك كان في مبتدأ الدولة العربية والقوم تزيد علاقاتهم كل يوم بالعجم، فأدرك هذا الإمام «عليٌّ» كرم الله وجهه، وتلافى الأمر بأن وضع تقسيم «الكلمة» وأبواب «إن وأخواتها» والإضافة والإمالة. والتعجب والاستفهام، وغيرها، وقال لأبي الأسود الدؤلي «انحُ هذا النحو» ومنه جاء اسم هذا الفن، فأخذه أبو الأسود. وزاد