لأنّ الميل القلبي لا ينحصر في القرابة ، فإنّ المحسن يميل الطبع إليه ، فإنّ القلوب جُبلت على حُبّ مَنْ أحسن إليها وبُغض مَنْ أساء إليها ، وقد يميل إليه لإساءة الآخَر إليه ، وقد يميل إلى أحسنهما خلقاً وأعظمهما قدراً أو جاهاً أو مالاً ، فلا يبقى للميل أثر في الدلالة على النسب.
وقول عمر : والِ أيّهما شئت (١) ، ليس بحجّةٍ ؛ لأنّه إنّما أمره بالموالاة ، لا بالانتساب.
وعلى قول الشافعي : « إنّه يلحق بمن ينتسب إليه » لو انتسب إلى أحدهما ثمّ عاد وانتسب إلى الآخَر ، أو نفى نسبه من الأوّل ولم ينتسب إلى أحدٍ ، لم يُقبل منه ؛ لأنّه قد ثبت نسبه ، فلا يُقبل رجوعه (٢).
والتصديق عندنا معتبر في حقّ البالغ العاقل ، فيجيء هذا الحكم عليه.
مسألة ٤٥٠ : ولو لم ينتسب اللقيط إلى أحد المدّعيين ، بقي الأمر موقوفاً على القرعة عندنا وإلى أن يظهر نسبه بالقافة عند الشافعيّة (٣) أو بالبيّنة.
ولو انتسب إلى غير المدّعيين وادّعاه ذلك الغير ، ثبت نسبه منه ، وبه قال الشافعيّة (٤).
ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إن كان الرجوع إلى انتسابه بسبب إلحاق القائف بهما جميعاً لم يُقبل انتسابه إلى غيرهما (٥).
ولو انتسب إلى أحدهما لفقد القائف ثمّ وجد القائف ، قال الشافعي :
__________________
(١) الموطّأ ٢ : ٧٤٠ ـ ٧٤١ / ٢٢ ، سنن البيهقي ١٠ : ٢٦٣ ، شرح معاني الآثار ٤ : ١٦٢ ، المغني ٦ : ٤٣٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٤٠.
(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٥٤ ، البيان ٨ : ٢٥.
(٣) راجع : الهامش (٢) من ص ٣٧٢.
(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٦.