صعدنا الجبل ، أصابنا فوقه مطر وهواء بارد ، وصار الصخر تزلق فيه الأقدام ولا يقدر يستمسك الراكب على الدابّة من الهواء البارد وشدّته والمطر. فشرعت أنا في قراءة آية الكرسيّ ، فليس أحد من أهل القافلة إلّا وقد سقط من الدابّة وأنا ـ بحمد الله ـ وصلت إلى المنزل سالما.
فلمّا وصلنا المنزل كان فيه خان صغير وله حوش وليس فيه حجر. وإنّما فيه طوائل للدوابّ ومرابطها. فأدخلنا أعراضنا والكتب إلى طويلة ووضعنا فوق صفّتها. فاتّفق أنّ تلك الطوائل كان فيه أسماد كثير وقد عمد إليه بعض المتردّدين ووضع فيه النار لأجل أن يحترق ذلك السماد ، فما كان في تلك الطوائل إلّا الدخان الخانق ومطرت السماء فتحيّرنا بين المطر والدخان ، فكنّا نقبض على خياشمنا ، فإذا ضاقت أنفاسنا خرجنا من الطويلة إلى الحوش وتنفّسنا ورجعنا. فكنّا تلك اللّيلة وقوفا ليس لنا حاجة إلّا الخروج للتنفّس. ويا إخوان ما كان أطول تلك اللّيلة! فلمّا أصبح الصباح وطلعت الشمس وخرجنا إلى الحوش وجاءنا أهل تلك القرية يبيعون علينا الخبز وغيره ، فأتت إلينا امرأة منهم وكان لها لحية طويلة نصفها بيضاء ونصفها سوداء فتعجّبنا منها.
ثمّ إنّنا وصلنا إلى بعقوبا فأودعنا كتبنا وأعراضنا لأهل القافلة ومضينا نحن مع جماعة قليلة إلى سرّ من رأى. فلمّا عزلنا القافلة وسرنا فرسخا تقريبا ، لقينا رجل فقال لنا : إنّكم تمضون واللّصوص أمامكم في نهر الباشا. فتردّدنا في الرجوع والمضيّ ، فصار العزم على المضيّ. فلمّا وصلنا إلى ذلك النهر ، طلعت علينا خيولهم فعدوا علينا ، فقرأت آية الكرسيّ وأمرت أصحابي بقراءتها. فلمّا وصلوا إلينا ، انفردوا عنّا ناحية وكانوا يتفكّرون. فرأيناهم جاؤوا إلينا وقالوا لنا : قد ضللتم عن الطريق. وكان الحال كما قالوا. فأرسلوا معنا رجلا منهم وسار معنا إلى قرب المنزل وهو القازاني استقبلنا جماعة من سادات سرّ من رأى لأجل أن يأخذونا. وكان آخر اختيارنا من أرواحنا وأموالنا أوّل وقوعنا بأيديهم. وكانت عندنا دوابّ. فقالوا : ينبغي أن تركبوا دوابّنا لأجل الأجرة. فركبنا دوابّهم.