ثمّ أخذ حربته ومضى إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير الأوسيّ ، فلمّا وقف عليهم ؛ قال : يا بني عبد الأشهل ؛ كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا : سيّدنا وأفضلنا رأيا (١) ، قال : فإنّ كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتّى تؤمنوا بالله ورسوله. قال : فما أمسى في دار بني الأشهل رجل ولا امرأة إلّا مسلما ومسلمة ، ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقاما عنده يدعون النّاس إلى الإسلام ، فلم يبق دار من الأنصار إلّا وفيها رجال ونساء مسلمون.
ثمّ إنّ مصعب بن عمير رجع إلى مكّة وخرج معه من الأنصار من المسلمين سبعون رجلا من حجّاج قومهم من أهل الشّرك حتّى قدموا مكّة ، فواعدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم العقبة من أوسط أيّام التّشريق ؛ وهي بيعة العقبة الثّانية ، قال كعب بن مالك : فلمّا فرغنا من الحجّ وكانت اللّيلة الّتي واعدنا فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعنا عبد الله بن عمرو ابن حرام أبو جابر أخبرناه ؛ وكنّا نكتم من معنا من المشركين من قومنا إيماننا ، فكلّمناه وقلنا له : يا أبا جابر (٢) ؛ إنّك سيّد من ساداتنا وإنّا نرغب لك فيما نرغب لأنفسنا ، ودعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فشهد معنا العقبة وكان نقيّا ، فبتنا تلك اللّيلة مع قومنا في رحالنا ، حتّى إذا مضى ثلث اللّيل خرجنا لميعاد رسول الله صلىاللهعليهوسلم نتسلّل مستخفين ؛ حتّى اجتمعنا في الشّعب عند العقبة ، ونحن سبعون رجلا (٣) ومعنا امرأتان من نسائنا : نسيبة بنت كعب من نساء بني النّجّار ؛ وأسماء بنت عمرو بن عديّ من نساء بني سلمة ، فاجتمعنا في الشّعب ننتظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعه عمّه العبّاس وهو يومئذ مشرك إلّا أنّه أحبّ أن يحضر مع ابن أخيه ويتوثّق له ، فلمّا جلس كان أوّل من تكلّم العبّاس فقال : يا معشر الخزرج ـ وكانت العرب تسمّي الأوس والخزرج باسم الخزرج ـ إعلموا أنّ محمّدا منّا حيث قد علمتم ؛ هو في عزّ من قومه ومنعة في بلده ، وأراه قد أبى إلّا اللّحوق بكم والانقطاع إليكم ، فلمّا كنتم ترون أنّكم وافون له بما دعوتموه إليه
__________________
(١) في المخطوط : (وأفضلنا ربا).
(٢) في المخطوط : (يا جابر).
(٣) في السيرة النبوية لابن هشام : «ونحن ثلاثة وسبعون رجلا».