لا يرون أنّه جبنّا عنهم وضعفا. وأتاه النّعمان بن مالك الأنصاريّ فقال : يا رسول الله ؛ لا تحرمني الجنّة ، فو الّذي بعثك بالحقّ نبيّا لأدخلنّ الجنّة ، فقال له : [بم؟] قال : بأنّي أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي لا أفرّ من الزّحف ، فقال : [صدقت] فقتل يومئذ شهيدا.
فقال صلىاللهعليهوسلم : [إنّي قد رأيت في منامي أنّ في دبابة سيفي ثلما فأوّلتها هزيمة ، ورأيت أنّي أدخل يدي في درع حصينة فأوّلتها المدينة ، فكرهت الخروج إليهم ، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم ، فإن أقاموا أقاموا على شرّ مقام ، وإن دخلوا المدينة قاتلناهم فيها] وكان صلىاللهعليهوسلم يعجبه أن يدخلوا المدينة فيقاتلوا في الأزقّة ، فقال رجال من المسلمين ممّن فاتهم يوم بدر وأراد الله لهم الشّهادة يوم أحد : أخرج بنا إلى أعدائنا يا رسول الله ، فكره الخروج إليهم وأمر بتبوئة المقاعد للقتال إلى أن يوافيهم المشركون ـ والمقاعد هي المواطن والأماكن ـ فلم يزالوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم يحثّونه على لقائهم حتّى دخل بيته ، فلبس لامته وعزم على الخروج ، فندم المسلمون وقالوا : بئسما صنعنا ؛ نشير على رسول الله صلىاللهعليهوسلم والوحي يأتيه ، فقاموا واعتذروا إليه وقالوا : اصنع ما رأيت يا رسول الله ، فقال : [لا ينبغي لنبيّ أن يلبس لامته فيضعها حتّى يقاتل]) (١).
وكان قد أقام المشركون بأحد يوم الأربعاء والخميس ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الجمعة بعد ما صلّى بأصحابه الجمعة ، فأصبح بالشّعب من أحد يوم السبت من النّصف من شوّال سنة ثلاث من الهجرة ، وكان من أمر حرب أحد ما كان ؛ فذلك قوله عزوجل : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) أي واذكر إذ غدوت من أهلك ؛ من عند أهلك من المدينة تهيّئ للمؤمنين مواضع للحرب لقتال المشركين يوم أحد. وقال الحسن : (نزلت هذه الآية في يوم الأحزاب ؛ الأكلب : موضع منها قريب من المدينة).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦١١٣ و٦١١٤).