وروى الضحّاك عن ابن عبّاس في قوله (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ): (يعني التّكذيب بالقدر) لأنّهم تكلّموا بالقدر فقال الله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) يعني القدر خيره وشرّه من الله ؛ وهو قولهم : (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا).
وذلك أنّ المنافقين قال بعضهم لبعض : لو كان لنا عقول ما خرجنا مع محمّد لقتال أهل مكّة ؛ ولم يقتل رؤساؤنا ، فقال الله : (قُلْ) لهم : (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ) أي لخرج الذين قضي عليهم القتل (إلى مضاجعهم) إلى مصارعهم.
قوله تعالى : (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ) ؛ أي المنافقون يسرّون ويضمرون في قلوبهم ما لا يظهرون لك بألسنتهم ؛ (يَقُولُونَ) ؛ سرّا : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ) ، من النّصر والدولة ، (شَيْءٍ) ، وكان دين محمّد حقّا ، (ما قُتِلْنا هاهُنا) ، ما قتل أصحابنا هنا في اتّباعه. وقيل : معناه : لو لم يخرجنا رؤساؤنا إلى الحرب (ما قُتِلْنا).
قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) ؛ أي قل للمنافقين : لو تخلّفتم أنتم في بيوتكم ، (لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) ؛ لخرج الذين كتب عليهم القتل إلى مصارعهم ومواضع قتلهم لا محالة لنفوذ قضاء الله. ويقال : معناه : لو كنتم في بيوتكم لما أخطأكم ما كتب عليكم. وقيل : معناه : لو كنتم أيّها المنافقين في بيوتكم لبرز الذين فرض عليهم القتال وهم المؤمنون المخلصون إلى مواضع القتال صابرين محتسبين. قرأ أبو عبلة : لبرّز بضمّ الباء وتشديد الراء. قرأ قتادة : (القتال).
قوله تعالى : (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) ؛ أي وليختبر الله ويظهر ما في قلوبكم بأعمالكم ؛ لأنه علمه غيبا فيعلمه مشاهدة. ومعنى (وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) أي يبيّن ما في قلوبكم ، فيذهب نفاق من شاء منكم ، (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤)) ؛ أي بما في القلوب من خير وشرّ.