قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) ؛ أي إنّ الذين انهزموا منكم يا معشر المؤمنين يوم التقى الجمعان ؛ جمع المسلمين وجمع المشركين ، إنّما استزلّهم الشيطان عن أماكنهم ببعض ما كسبوا ؛ وهو مفارقة المكان الذي أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بحفظه.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) ؛ حين لم يستأصلهم. ويقال في معنى هذه الآية : إنّهم لم يفرّوا على جهة المعاندة والفرار من الزّحف ، ولكن أذكرهم الشيطان خطاياهم التي كانت منهم ؛ فكرهوا لقاء الله إلّا على حالة يرضونها ، ولذلك عفا الله عنهم.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥)) ؛ أي متجاوز لذنوبهم لم يعجّل بالعقوبة عليهم. روي : «أنّ رجلا من الخوارج أتى عبد الله بن عمر رضي الله عنه فسأله عن عثمان رضي الله عنه : أكان شهد بدرا؟ قال : (لا) ، قال : شهد بيعة الرّضوان؟ ، قال : (لا) ، قال : فكان من الّذين تولّوا يوم التقى الجمعان؟ قال : (نعم). فولّى الرّجل يهزّ فرحا ، فلمّا علم ابن عمر بغضه لعثمان قال له : (ارجع) ؛ فرجع ، فقال له : (أمّا تخلّفه يوم بدر ؛ فإنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم خلّفه على ابنته رقيّة يقوم عليها ، كانت مريضة فتوفّيت يوم بدر ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه في الغزو ، وعثمان رضي الله عنه في تكفين ابنة رسول الله ودفنها والصّلاة عليها ، فلمّا رجع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم جعل أجره كأجرهم وسهمه كسهمهم.
وأمّا بيعة الرّضوان ؛ فقد بايع له رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيده اليسرى على اليمنى ، وقال : [هذه عن عثمان] ويسار رسول الله صلىاللهعليهوسلم خير من يمين عثمان رضي الله عنه» (١). وأمّا الّذين تولّوا يوم التقى الجمعان ؛ فقد عفا الله عنهم والله غفور حليم ؛ فاجهد على جهدك ، فقام الرّجل حزنان ناكسا رأسه.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) ؛ معناه :
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح : كتاب فضائل أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم : الحديث (٣٦٩٩).