في اللّغة : إطالة المدّة والإمهال والتّأخير ، ومنه قوله (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)(١) أي دهرا طويلا. قال ابن مسعود : (ما من نفس برّة ولا فاجرة إلّا والموت خير لها من الحياة ، أمّا الفاجرة فقد قال الله : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) ؛ وأمّا البرّة فقد قال الله تعالى : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ)(٢).
قوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) ؛ اختلفوا في تأويلها ؛ قال الكلبيّ : (قالت قريش : يا محمّد ؛ تزعم أنّ من خالفك فهو في النّار ؛ والله عليه غضبان ، ومن اتّبعك على دينك فهو في الجنّة ؛ والله عنه راض ، فخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك ، فأنزل الله هذه الآية). ومعناها : لم يكن الله ليترك من كان في علمه السّابق أنه يؤمن ، على ما أنتم عليه من الكفر حتى يميّز الكافر والمنافق من المؤمن المخلص (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ) يا أهل مكّة على من يصير منكم مؤمنا قبل أن يؤمن ، ولكنّ الله يصطفي بالنبوّة والرسالة من يشاء فيوحي إليه بما يشاء ؛ لأنّ الغيب لا يطّلع عليه إلّا الرّسل بوحي من الله ليقيموا البرهان على أنّ ما أتوا به من عند الله ؛ (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) ؛ أي صدّقوا ، (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) ؛ الشّرك والمعصية ؛ (فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩)) ؛ في الجنّة.
وقال بعضهم : الخطاب للكافرين والمنافقين ، معنى الآية : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) يا معشر الكفّار والمنافقين من الكفر والنّفاق (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ). وقيل : الخطاب للمؤمنين ؛ أي ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن بالمنافق حتّى يميز الخبيث.
قرأ الحسن وقتادة والكوفيون إلّا عاصما : (يميّز) بضمّ الياء والتشديد ، وكذلك في الأنفال. والباقون بالتخفيف وفتح الياء من الميز وهو الفرق ، ويسمّى العاقل مميّزا لأنه يفرّق بين الحقّ والباطل ، معناه : حتّى تميّز المنافق من المخلص ، فيميّز الله
__________________
(١) مريم / ٤٦.
(٢) النساء / ١٩٨.