ومعناها : وسمع الله قول الّذين قالوا إنّ الله عهد إلينا ، ومحلّ (الَّذِينَ) خفض ردّا على (الَّذِينَ) الأوّل ؛ ومعناها : عهد إلينا : أمرنا وأوصانا في كتبه وعلى ألسنة رسله أن لا نصدّق رسولا يزعم أنّه جاء من عند الله (حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ) وهو ما يتقرّب به إلى الله من صدقة ، وكانت القرابين والغنائم لا تحلّ لبني إسرائيل ، وكانوا إذا قرّبوا قربانا أو غنموا غنيمة فتقبل منهم ؛ جاءت من السّماء نار ولها دخان ولها دويّ وخفيق فتأكل ذلك القربان وتلك الغنيمة ، فيكون ذلك علامة القبول ، واذا لم يقبل بقي إلى حاله ، فقال هؤلاء اليهود : (إنّ الله عهد إلينا ألّا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بقربان تأكله النّار) كما كان في زمن موسى وزكريّا ويحيى وغيرهم عليهمالسلام.
وكان هذا القول منهم كذبا على الله واعتلالا ومدافعة في الإيمان بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم لا إحتجاجا صحيحا ؛ فاحتجّ الله عليهم بقوله : (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) ؛ أي قل يا محمّد قد جاءكم رسل من قبلي بالعلامات الواضحات والمعجزات (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) من أمر القربان ، (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣)) ؛ في مقالتكم. وكانوا قتلوا زكريّا ويحيى وغيرهم ، وأراد بذلك أسلافهم فخاطبهم بذلك لأنّهم رضوا بفعل أسلافهم.
قوله تعالى : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) ؛ فإن كذبوك يا محمّد فلست بأوّل رسول كذّب ، فقد كذّب نوح وهود وصالح وغيرهم ؛ (جاؤُ بِالْبَيِّناتِ) ؛ أي بالعلامات الواضحات ؛ (وَالزُّبُرِ) ؛ وهو جمع زبور ؛ وهو كلّ كتاب ذي حكمة ؛ يقال : زبرت إذا كتبت ؛ وزبرت اذا قرأت. وأما (وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤)) ؛ فهو الكتاب المبيّن للحلال والحرام.
قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ؛ قرأ الأعمش : (ذائقة) بالتنوين ، ونصب (الموت) ، قال ابن عبّاس : (لمّا نزل قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ)(١) قالت الملائكة : هلك أهل الأرض. فلمّا نزلت هذه الآية أيقنت الملائكة بالهلاك). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول
__________________
(١) الرحمن / ٢٤.