تزوجتم بهنّ ؛ فانكحوا ما حلّ لكم من النساء غيرهنّ. وقال مجاهد : (معناه : إن خفتم في ولاية اليتامى إيمانا وتصديقا ؛ فخافوا في الزّنا ، وانكحوا الطّيّب من النّساء) (١).
وقال بعضهم : كانوا يتحرّجون عن أموال اليتامى ، ويترخّصون في النساء ، ولا يعدلون فيهنّ ويتزوجون منهنّ ما شاءوا فربما عدلوا ، وربّما لم يعدلوا ، فلما سألوا عن أموال اليتامى ، أنزل الله تعالى (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) ، وأنزل (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) ، أي كما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى وهمّكم ذلك ؛ فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهنّ ؛ ولا تزوّجوا أكثر مما يمكنكم إمساكهنّ والقيام بحقّهنّ ؛ لأن النساء كاليتامى في الضّعف والعجز ، فما لكم تراقبون الله في شيء ، وتعصونه في مثله ، وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة والربيع والضحّاك والسديّ ، ورواية ابن عبّاس (٢).
والإقساط في اللغة : العدل ، يقال : أقسط ؛ إذا عدل ، وقسط ؛ إذا جار ، وإنّما قال : (ما طابَ) ولم يقل من طاب ؛ لأن (ما) مع الفعل بمنزلة المصدر ، كأنه قال : فانكحوا الطيّب ، يعني الحلال من النساء. وقرأ ابن أبي عبلة : (من طاب) ؛ لأن (ما) لما لا يعقل و (من) لمن يعقل ، إلّا أنّ عامّة القرّاء والعلماء يقولون : إن العرب تجعل (ما) بمعنى (من) ؛ و (من) بمعنى (ما) ، وقد جاء القرآن بذلك : قال الله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها)(٣) ، وقال تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ)(٤) ، وقال تعالى : (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ)(٥).
قوله تعالى : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) بدل من (طابَ لَكُمْ) وهو مما لا ينصرف ، لأن (مَثْنى) معدول عن اثنين وذلك نكرة ، و (ثُلاثَ) معدول عن ثلاثة.
وذهب بعض الرّوافض إلى استحلال تسع استدلالا بهذه الآية ، وليس ذلك بشيء ، فإنّ الواو هنا بمعنى (أو) ، وروي عن قيس بن الحارث : أنّه كان عنده ثماني نسوة ، فلمّا نزلت هذه الآية أمره رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يمسك أربعا ويفارق أربعا ، وقال
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦٧٥١) بإسنادين.
(٢) أسباب النزول للواحدي : ص ٩٥.
(٣) الشمس / ٥.
(٤) النور / ٤٥.
(٥) الشعراء / ٢٣.