متوجّهين إلى الشّام ، فبلغ ذلك المسلمين ، فقالت طائفة منهم : ما يمنعنا أن نخرج إلى هؤلاء الّذين رغبوا عن ديننا وتركوه ، نخرج إليهم فنقتلهم ونأخذ ما معهم ، وقالت طائفة : كيف نقتل قوما على دينكم ، وكان بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو ساكت لا ينهى أحد الفريقين. فأنزل الله تعالى هذه الآية والّتي بعدها يبيّن لرسول الله صلىاللهعليهوسلم شأنهم) (١).
ومعناها : فما لكم من هؤلاء المنافقين حتى صرتم في أمرهم فرقتين من محلّ لأموالهم ومحرّم ، (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) ؛ أي ردّهم إلى كفرهم وضلالتهم بما كسبوا من أعمالهم السيّئة ، ونفاقهم وخبث نيّاتهم ، وانتصاب (فئتين) على الحال ؛ يقال : ما لك قائما ؛ أي لم قمت في هذه الحالة ، وقيل : على خبر (صار).
قوله تعالى : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) ؛ أي تريدون يا معشر المخلصين أن ترشدوا من خذله الله عن دينه وحجّته ، وقيل : معناه : أتقولون إنّ هؤلاء مهتدون ، (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨)) ؛ أي لن تجد له هاديا ، وقيل : لن تجد له طريقا إلى الهدى. وقرأ عبد الله وأبيّ : (والله ركّسهم) بالتشديد.
قوله عزوجل : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) ؛ أي تمنّى المنافقون والكفار أن تكفروا أنتم بمحمّد صلىاللهعليهوسلم والقرآن كما كفروا ، فتكونوا أنتم وهم سواء في الكفر ، (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ) ؛ أي أحبّاء ، (حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ؛ في طاعة الله ، (فَإِنْ تَوَلَّوْا) ، فإن أعرضوا عن الإيمان والهجرة فأسروهم ، (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، في الحلّ والحرم ، (وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٨٩)) ؛ أي حبيبا في العون والنّصرة.
وهذه الآية محمولة على حال ما كانت الهجرة فرضا كما قال صلىاللهعليهوسلم : [أنا بريء من كلّ مسلم أقام بين أظهر المشركين](٢) ثم نسخ ذلك يوم فتح مكّة كما روى ابن
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٧٩٥٠) عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبراني في الكبير : ج ٢ ص ٣٠٢ : الحديث (٢٢٦١ و٢٢٦٢) عن جرير بن عبد الله البجلي ، والحديث (٢٢٦٤) وفيه قال : يا رسول الله : ولم؟ قال : [لا تراعى ناراهما]. وفي