وقال الحسن : (صلاة السّفر ركعتان ، فإذا قام الحرب فركعة) وهذا اللفظ يقتضي القصر الذي هو في غاية في القصر متعلق بشرطين على مذهبه. وروي : أنّ رجلا سأل عمر رضي الله عنه عن هذه الآية فقال : كيف يقصر النّاس وقد أمنوا؟ فقال عمر : عجبت ممّا عجبت منه ؛ حتّى سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك فقال : [صدقة تصدّق بها عليكم ألا فاقبلوا صدقة الله علينا](١). يقتضي إسقاط الفرض عنّا. وفي قوله صلىاللهعليهوسلم : [فاقبلوا صدقته] دليل أنّ القصر عزيمة لا رخصة ؛ لأن ظاهر الأمر على الوجوب ، ولهذا قال أصحابنا : إنّ المسافر إذا صلّى الظهر أربعا ، ولم يقعد في الثانية قدر التّشهّد فسدت صلاته ، كمصلّي الفجر أربعا.
قوله عزوجل : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) ؛ الآية ، قال ابن عبّاس : (لمّا رأى المشركون رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه قاموا إلى صلاة الظّهر وهو يؤمّهم ؛ ندموا على تركهم الإقدام على قتالهم ، فقال بعضهم : دعوهم ؛ فإنّ بعدها صلاة هي أحبّ إليهم من آبائهم وأولادهم ـ يريدون العصر ـ فإذا رأيتموهم قاموا إليها فشدّوا عليهم ، فنزل جبريل عليهالسلام بهذه الآية وأطلع الله النّبيّ صلىاللهعليهوسلم على قصدهم ومكرهم ، وعن هذا كان إسلام خالد بن الوليد حين عرف أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم اطّلع على ما كان من قصد المشركين في السّرّ فيما بينهم) (٢).
ومعنى الآية : وإذا كنت يا محمّد مع المؤمنين في الغزو فابتدأت في صلاة الخوف ؛ فليقم جماعة منهم معك في الصلاة ؛ ولتكن أسلحتهم معهم في صلاتهم ؛ لأنّ ذلك أهيب للعدوّ ، فإذا سجدت الطائفة التي معك وصلّت ركعة ، فلينصرفوا إلى
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٨١٥٤) بأسانيد ، والسائل هو يعلى بن أمية. وأخرجه مسلم في الصحيح : كتاب صلاة المسافرين : الحديث (٤ / ٦٨٦). وأبو داود في السنن : كتاب الصلاة : باب صلاة المسافر : الحديث (١١٩٩).
(٢) أخرجه الواحدي في أسباب النزول : ص ١٢٠. وأخرجه أهل التفسير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وجابر رضي الله عنه. وعن أبي عياش الزرقي أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني والطبراني والحاكم وصححه ، والبيهقي. قاله السيوطي في الدر المنثور : ج ٢ ص ٦٥٩.