الصّفّ المؤخّر سجدتين لأنفسهم ؛ ثمّ يتشهّد الإمام ويسلّم بهم جميعا). وهكذا قال ابن أبي ليلى.
وقال مالك : (يجعل الإمام النّاس طائفتين ، فيصلّي بطائفة ركعة وسجدتين ، ثمّ ينتظر الإمام حتّى يصلّوا بقيّة صلاتهم ويسلّموا وينصرفوا إلى وجه العدوّ ، وتأتي الطّائفة الأخرى فيصلّي بهم ركعة وسجدتين ، ويسلّم الإمام ، ويقومون فيتمّون صلاتهم). وقال الشّافعيّ مثل ذلك إلّا أنه قال في الطائفة الأخرى : (لا يسلّم بهم الإمام ؛ ولكن ينتظر حتّى يقوموا فيتمّوا صلاتهم ، ثمّ يسلّم بهم).
وإنّما وقع بهم هذا الاختلاف لاختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب. روى عليّ وابن مسعود وجماعة من الصحابة أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم صلّاها كما قال أبو يوسف ، ذكرنا عن أبي حنيفة ومحمد وعن ابن عبّاس : أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم صلّاها كما قال أبو يوسف ، وعن سهل بن أبي حثمة (١) أنه صلىاللهعليهوسلم صلّاها كما قال الشّافعيّ.
فدلّت هذه الأخبار على جواز الجميع ، وإنّما يقع الكلام في الأوّل ، والأقرب إلى ظاهر القرآن وظاهره يشهد للرواية التي رواها عليّ وابن مسعود ؛ لأنّ في قوله تعالى : (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) دليل على أن الإمام لا يصلّي بالطائفتين معا ، وفي قوله تعالى : (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) دليل على أنّ الطائفة الأولى تنصرف عقب السجود. وعند مالك والشافعيّ : لا تنصرف الطائفة الأولى إلّا بعد تمام الصلاة.
وفي قوله : (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا) دليل أنّ الطائفة الثانية تأتي وهي غير مصلّية ، وهذا خلاف ما قال أبو يوسف. وهذا كلّه إذا أمكنهم إقامة الصلاة بالجماعة ، أمّا إذا لم يمكنهم الجماعة لقيام القتال وكثرة العدوّ ، وصلّى كلّ واحد لنفسه على حسب ما أمكنه ، إمّا إلى القبلة وإما إلى غيرها إذا لم يمكنه التوجّه إليها أو راكبا يومئ إيماء ، كما قال تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً)(٢).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٨١٨١ و٨١٨٢).
(٢) البقرة / ٢٣٩.