والقسط والإقساط : العدل ، يقال : أقسط الرجل إقساطا إذا عدل ، وأتى بالقسط وقسط يقسط قسطا إذا جار ، قال الله تعالى : (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(١) أي اعدلوا ، وقال تعالى : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً)(٢) أي الجائرون.
وقوله تعالى : (شُهَداءَ لِلَّهِ) نصب على أحد ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أنه خبر ثان ، كما يقال : هذا حلو حامض. والثاني : على الحال ، كما يقال : هذا زيد راكبا. والثالث : على أنه صفة القوّامين ، فإن قوّامين نكرة ، وشهداء نكرة ، والنكرة تنعت بالنّكرة. ومعنى (شُهَداءَ لِلَّهِ) أي شهدوا بالحقّ لله على ما كان من قريب أو بعيد.
وقيل : معنى الآية : كونوا قوّامين بالعدل في الشّهادة على من كانت ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين في الرّحم ؛ فأقيموها عليهم لله ولا تخافوا غنّيا لغناه ، ولا ترحموا فقيرا لفقره ؛ فذلك قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) ؛ أي فلا تتركوا الحقّ.
قوله تعالى : (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي قولوا الحقّ ولو على أنفسكم ، والشهادة على النفس إقرار. قوله تعالى : (أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) أي على والديكم وعلى أقربائكم ، وفي هذا بيان أنّ شهادة الابن على الوالدين لا تكون عقوقا ، ولا يحلّ للابن الامتناع عن الشهادة على أبويه ؛ لأنّ في الشهادة عليهما بالحقّ منعا لهما عن الظّلم.
قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) ؛ معناه : إن يكن المشهود عليه غنيّا أو فقيرا فالله أحقّ بالغنيّ والفقير من عباده من أحدهم بوالديه وقراباته وأرحم وأرأف ، فأقيموا الشهادة لله ، لا تميلوا في الشهادة رحمة للفقير ، ولا تقصدوا إقامتها لاحتمال غنى الغنيّ ؛ أي لأجل غناه ، وعن هذا قال صلىاللهعليهوسلم : [أنصر أخاك ظالما أو مظلوما] قيل : يا رسول الله ؛ كيف ينصره ظالما؟ قال : [أن تردّه عن ظلمه فإنّ ذلك نصره](٣).
__________________
(١) الحجرات / ٩.
(٢) الجن / ١٥.
(٣) أخرجه الطبراني في المعجم الصغير : الحديث (٥٧٦). والإمام أحمد في المسند : ج ٣ ص ٢٠١ و٣٢٣. والبخاري في الصحيح : كتاب المظالم : باب أعن أخاك : الحديث (٢٤٤٣ و٢٤٤٤) ، وفي كتاب الإكراه : الحديث (٦٩٥٢).