قوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) ؛ أي هم الذين ينتظرون بكم الدّوائر ، ويرامون أحوالكم يعني المنافقين ، والمتربص للشّيء : هو المتوقّع لأسبابه ، ويسمّى المحتكر متربصا لتوقّعه غلاء السّعر.
قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ) ؛ أي اذا كان لكم ظفر ودولة وغنيمة ، (قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) ؛ أي قال المنافقون : ألم نكن معكم على دينكم فأعطونا من الغنيمة ، (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ) ؛ أي ظهور على المسلمين ؛ (قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ؛ أي قال المنافقون : ألم نخبركم بعزيمة محمّد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، ونطلعكم على سرّهم ونكتب ذلك إليكم ونحذّركم عنهم ونجبهم عنكم ونواليكم ، (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ؛ فالله يقضي بين المؤمنين والمنافقين والكفار (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (١٤١)) ؛ أي لم يجعل الله لليهود ظهورا على المؤمنين.
وقيل : السبيل : الحجّة ، ولن يجعل الله للكافرين من اليهود وغيرهم حجّة على المسلمين في الدّنيا والآخرة ، وقيل : معنى السّبيل : الدّولة الدّائمة. وقيل : معناه : لن يدخل الله الكافرين الجنة ؛ فيقولون للمؤمنين : ما أغنى عنكم تعبكم في الدّنيا ، وما ضرّنا كفرنا بعد أن تساوينا.
قوله عزوجل : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) ؛ أي يخادعون أولياء الله بإظهارهم الإيمان وإبطانهم الكفر ؛ ليحقنوا بذلك دماءهم ويشاركوا المسلمين في غنائمهم ، وجعل الله مخادعة أوليائه مخادعة له كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ)(١).
قوله تعالى : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) أي مجازيهم جزاء أعمالهم ؛ وذلك أنّهم على الصّراط يعطون نورا كما يعطى المؤمنون ؛ فإذا مضوا به على الصّراط طفئ نورهم ، ويبقى المؤمنون ينظرون بنورهم ، فينادون المؤمنين : أنظرونا نقتبس من نوركم ، فيناديهم الملائكة على الصّراط : ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ، وقد علموا أنّهم لا
__________________
(١) الفتح / ١٠.