قوله عزوجل : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) ؛ أي في الطّبق الأسفل ؛ وهي الهاوية لمكرهم وخيانتهم للنبيّ صلىاللهعليهوسلم مع إبطان الكفر ، قال أبو عبيد : (جهنّم أدراك منازل ، كلّ منزلة منه درك). ومن قرأ (الدّرك) بإسكان الرّاء ، وهو لغة ؛ وأكثر القرّاء على فتحها. والدّركات في النّار مثل الدرجات في الجنّة ، كل ما كان من درجات الجنّة أعلى ؛ فثواب من فيه أعظم ، وما كان من دركات النار أسفل ؛ فعقاب من فيه أشدّ. وسئل ابن مسعود عن الدّرك الأسفل ؛ فقال : (هو توابيت من حديد ؛ مبهمة عليهم لا أبواب لها) (١).
قوله تعالى : (وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥)) ؛ أي مانعا يمنع عنهم العذاب ، وعن عبد الله بن عمر ؛ (أنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة ثلاثة : المنافقون ؛ ومن كفر من أصحاب المائدة ؛ وآل فرعون). قال الله تعالى في أصحاب المائدة : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ)(٢) وقال : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ)(٣) وقال : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ).
فإن قيل : ما وجه التّوفيق بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ)؟ قيل : لا يمتنع أن يجتمع القوم في موضع واحد ويكون عذاب بعضهم أشدّ من عذاب بعض ، ألا ترى أن البيت الداخل في الحمّام يجتمع فيه الناس ، فيكون بعضهم أشدّ أذى بالنار ؛ لكونه أدنى إلى موضع الوقود. وكذلك يجتمع القوم في القعود في الشّمس ، ويتأذى الصّفراويّ منها أشدّ وأكثر من تأذّي السّوداويّ.
والمنافق في اللغة : مأخوذ من النّفق ؛ وهو السّرب ؛ أي استتر بالإسلام كما يستتر الرجل بالسّرب. وقيل : هو مأخوذ من قولهم : نافق اليربوع ؛ إذا دخل نافقاءه ؛ فإذا طلب من النّافقاء خرج من النافقاء ؛ والنّفقاء ؛ والقاصعة ؛ والرّاهطاء ؛ والدّامّاء حجرة اليربوع (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٨٤٥٣).
(٢) المائدة / ١١٥.
(٣) غافر / ٤٦.
(٤) النّفق : سرب في الأرض ، مشتقّ إلى موضع آخر ، قال الله تعالى : فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً