قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) ؛ يعني في الإيمان والتصديق ؛ (أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) ؛ أي ثوابهم ، وسمّي الثواب أجرا ؛ لأنه مستحقّ كالأجرة ، (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (١٥٢).
قوله عزوجل : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) ؛ أي يسألك يا محمّد كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود أن تنزّل عليهم كتابا من السّماء جملة واحدة كما أنزلت التوراة على موسى ، وهذا حين قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : لن نؤمن لك حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه.
قوله تعالى : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) ؛ أي لا تعجب من مسألتهم إنزال الكتاب من السماء بعد أن جاءتهم البيّنات على نبوّتك ، فإنّهم سألوا موسى بعد ما رأوا الآيات أعظم من ذلك ، (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) ؛ أي معاينة ظاهرة مكشفة ؛ وهم السّبعون الذين كانوا معه عند الجبل حين كلّمه الله ، فسألوه أن يروا ربّهم رؤية يدركونه بأبصارهم في الدّنيا. وقال أبو عبيد : (معنى الآية : قالوا جهرة أرنا الله) فجعل جهرة صفة لقولهم ؛ قال : (لأنّ الرّؤية لا تكون إلّا جهرة). قوله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) ؛ أي أخذتهم النار عقوبة لهم بسؤالهم موسى ما لم يستحقّوه.
قوله تعالى : (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) ؛ أي عبدوا العجل من بعد ما جاءتهم الدّلالات على توحيد الله ، وفي هذا بيان جهل اليهود وتعنّتهم وعنادهم ، وأيّ جهل أعظم من اتّخاذ العجل إلها ، بعد ظهور المعجزات وثبوت الآيات البيّنات.
قوله تعالى : (فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ) ؛ أي تجاوزنا عنهم بعد توبتهم مع عظم جنايتهم وجريمتهم ولم نستأصلهم ، دلّ الله تعالى بذلك على سعة رحمته ومغفرته وتمام نعمته ومنّته ، بيّن ذلك أنه لا جريمة تضيق عنها مغفرة الله ، وفي هذا منع من القنوط واستدعاء إلى التوبة. قوله تعالى : (وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) (١٥٣) ؛ أي أعطيناه حجّة على من خالفه بيّنة ظاهرة ؛ وهي اليد والعصا.