ومعنى الفسق : الخروج من الطاعة ؛ وقوله تعالى : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) ؛ إشارة إلى ما تقدّم ذكره من المعاصي والحرام. قوله تعالى : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا) في موضع رفع ؛ أي وحرّم عليكم الاستقسام بالأزلام ، والأزلام : هي القداح الّتي لا ريش لها ولا نصل ، واحدها زلم ، مثل عمر وزفر ، وقيل : زلم مثل قلم. وقال ابن جبير : (هي حصى بيضاء كانوا يضربون بها).
قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) ؛ قال ابن عبّاس : (نزلت هذه الآية يوم دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكّة ومعه المسلمون وهو يوم الفتح ، يئس الكفّار يومئذ من رجوع المسلمين إلى دينهم بما ظهر من علوّ الإسلام والمسلمين على سائر الأديان). وقال بعضهم : أراد به يوم حجّة الوداع ، وقال الحسن : (أراد باليوم جميع زمان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وعصره ، كما يقال : كانت حادثة كذا في يوم فلان ، يراد به عصره).
وقوله تعالى : (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) ؛ أي ليكن خوفكم لله وحده ؛ فقد أمنتم ، وحوّل الله الخوف الذي كان يلحقكم إليهم بإظهار الإسلام. وقيل : معناه : لا تخشوهم بإظهار تحريم ما كانوا يبيحونه ، وأسرعوا في ترك إظهار المحرّمات.
قوله عزوجل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) ؛ قال ابن عبّاس : (نزلت هذه الآية على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو واقف بعرفة يوم عرفة ؛ والنّاس وقوف رافعون أيديهم بالدّعاء ، فبركت ناقة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم من ثقل هذه الآية بعد أن كاد عضدها يندقّ ، ولم ينزل بعدها آية حلال ولا حرام ، وعاش النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بعدها واحدا وثمانين يوما ، ثمّ قبضه الله تعالى إلى رحمته) (١).
قال طارق بن شهاب : (جاء يهوديّ إلى عمر رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين! آية تقرأونها لو أنزلت علينا لاتّخذنا يوم نزولها عيدا ، فقال : وأيّ آية؟ قال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) الآية ، قال عمر : هل علمت في أيّ يوم نزلت وفي أيّ مكان نزلت؟ إنّها نزلت يوم الجمعة يوم عرفة ونحن مع رسول الله
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٨٧١٠) عن السدي عن أسماء بنت عميس.