فدخلوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مسجده وقت صلاة العصر وعليهم ثياب الحبرات (١) ؛ جبب وأردية ، فقاموا وأقبلوا في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتوجّهوا إلى ناحية المشرق ، فقال صلىاللهعليهوسلم للعاقب والأيهم : [أسلما](٢). فقالا : قد أسلمنا قبلك ، فقال : [كذبتما ، يمنعكما عن الإسلام دعواكما لله ولدا وعبادتكما الصّليب وأكلكما الخنزير] قالا : فإن لم يكن ولدا لله فمن أبوه؟ وخاصموه جميعا في عيسى عليهالسلام ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [ألستم تعلمون أنّه لا يكون ولدا إلّا وهو يشبه أباه؟] قالوا : بلى ، قال : [ألستم تعلمون أنّ ربّنا حيّ لا يموت ، وأنّ عيسى يأتي عليه الفناء؟] قالوا : بلى ، قال : [ألستم تعلمون أنّ ربّنا قيّم على كلّ شيء (٣) يحفظه ويرزقه؟] قالوا : بلى ، قال : [فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟] قالوا : لا ، قال : [ألستم تعلمون أنّ الله عزوجل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السّماء؟] قالوا : بلى ، قال : [فهل يعلم عيسى من ذلك شيئا غير ما علّمه الله؟] قالوا : لا ، قال : [فإنّ ربّنا صوّر عيسى في الرّحم كيف شاء ، وربّنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث ، ألستم تعلمون ذلك؟] قالوا : بلى ، قال : [ألستم تعلمون أنّ عيسى حملته أمّه كما تحمل النّاس المرأة ، ثمّ وضعته كما تضع المرأة ، ثمّ غذّي كما يغذى الصّبيّ ، فكان يطعم ويشرب ويحدث؟] قالوا : بلى ، قال : [فكيف يكون هذا كما زعمتم؟] فسكتوا. فأنزل الله عزوجل فيهم أوّل سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية فيها) (٤).
فقال الله عزوجل : (الم. اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) الحيّ : هو الدائم الذي لا ندّ له ، الذي لا يموت ولا يزول ، والقيّوم : القائم على كلّ نفس بما كسبت.
__________________
(١) الحبرات ـ بكسر الحاء وفتح الباء ـ : جمع حبرة ؛ وهو ضرب موشّى من برود اليمن.
(٢) في جامع البيان : النص (٥١٣٦) ذكر الطبري : «قالا : قد أسلمنا. قال : [إنّكما لم تسلما ، فأسلما] قالا : بلى أسلمنا قبلك ...».
(٣) في جامع البيان : النص (٥١٣٧): [يكلؤه ويحفظه ويرزقه].
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥١٣٧) عن الربيع ، وقد أدرج الطبراني الروايتين برواية واحدة.