قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤)) ، معناه : إنّ في كتب الله ما يدلّ على صدق قولك ؛ فمن جحد بآيات الله وهي العلامات الهادية إليه الدّالّة على توحيده فأولئك لهم عذاب شديد ، (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) أي ذو نقمة ينتقم ممن عصاه.
ثم حذرهم عن التلبّس والاستتار عن المعصية ، فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥)) ، أي لا يخفى عليه قول الكفّار وعملهم ، يحصي كلّ ما يعملونه فيجازيهم عليه في الآخرة.
وفائدة تخصيص الأرض والسماء وإن كان الله لا يخفى عليه شيء بوجه من الوجوه : أنّ ذكر الأرض والسماء أكبر في النفس وأهول في الصدر ، فذكره على وجه الأهوال ، إذ كان الغرض به التحذير.
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) ؛ أي خلقكم في أرحام الأمّهات كيف يشاء من لون وطول وقصر وعظم وصغر وذكورة وأنوثة وحسن وقبح وسعيد أو شقيّ.
قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)) ؛ أي لا مصوّر ولا خالق إلّا هو. ومعنى العزيز : المنيع في سلطانه ، لا يغالب ولا يمانع ، ومعنى الحكيم : المحكم في تدبيره وقضائه في عباده ، وأفعال الله كلّها شاهدة بأنه الواحد القديم العالم القادر.
قوله عزوجل : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) ، قال ابن عبّاس : (معناه : هو الّذي أنزل عليك القرآن منه آيات واضحات مبيّنات للحلال والحرام هنّ أصل الكتاب الّذي أنزل عليك يعمل عليه في الأحكام ، وهنّ أمّ في التّوراة والإنجيل والزّبور وكلّ كتاب) نحو قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)(١).
__________________
(١) الانعام / ١٥١.