كما وصف الله تعالى ، فلمّا خرج أبو بكر رضي الله عنه منها إلى مكّة ، نزل جبريل عليهالسلام فقال للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : [لا يبلّغ عنك إلّا رجل من أهل بيتك] فدعا عليّا رضي الله عنه وأمره بالذهاب إلى مكّة ، وقال : [كن أنت الّذي يقرأ هذه الآيات على أهل مكّة ، ومر أبا بكر فليصلّ بالنّاس]. فسار حتى لحق أبا بكر رضي الله عنه في الطريق ، فأخبره بذلك فمضيا ، وكان أبو بكر على الموسم.
فلمّا كان يوم النحر واجتمع المشركون ، قام عليّ رضي الله عنه عند جمرة العقبة وقال : (يا أيّها النّاس ؛ إنّي رسول رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليكم) فقالوا : بم ذا؟ فقرأ عليهم (براءة من الله ورسوله إلى الّذين عاهدتّم ...) إلى آخر الآيات التي نزلت (١).
وكان الحجّ في السّنة التي قرأ عليّ رضي الله عنه فيها هذه السّورة في العاشر من ذي القعدة ، ثم صار الحجّ في السّنة الثانية في ذي الحجّة ، وكان السبب في تقديم الحجّ في سنة العهد ما كان يفعله بنو كنانة في النّسيء وهو التأخير. وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ الأربعة الأشهر المذكورة في هذه الآية هي : شوّال وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم.
قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ ؛) أي غير فائتين عن الله بعد الأربعة الأشهر ، فإنّكم إن أجّلتم هذه الأشهر فلن تفوتوا الله تعالى. وقوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) (٢) ؛ أي معذّب الكافرين في الدّنيا بالقتل في الآخرة بالنار. والإخزاء : هو الإذلال على وجهه الأدون.
قوله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ؛) أي وإعلام من الله ورسوله إلى الناس يوم الحجّ الأكبر وهو يوم النحر ، كذا روى ابن عبّاس ، وسمي يوم النحر يوم الحجّ الأكبر ؛ لأنه اتّفقت فيه الأعياد على قول أهل الملل. وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : [أنّه يوم عرفة] ، قال قيس ابن مخرمة : خطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم عشيّة عرفة فقال : [أمّا بعد ؛ فإنّ هذا يوم الحجّ الأكبر](٢).
__________________
(١) في هذه القصة غرابة ، فضلا عن الاضطراب في ترتيب أحداثها ، وما جاء في الأخبار الصحيحة يظهر خطأ فهم الخبر من الناقل ، أو تزوير المعنى ، بما يطول ذكره إن أثبتناه.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٢٧٤٠).