قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ؛) فقال ابن عبّاس : (تهجّد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات ليلة بمكّة ، فجعل يقول في سجوده : [يا الله يا رحمن]. فقال أبو جهل : إنّ محمّدا ينهانا أن نعبد الهين وهو يدعو إلها آخر مع الله يقال له الرّحمن! وهم لا يعرفون الرّحمن ، فأنزل الله هذه الآية) (١).
ومعناها : قل يا محمّد : أدعوا الله يا معشر المؤمنين ، أو ادعوا الرّحمن ، إن شئتم فقولوا : يا رحمن ، وإن شئتم فقولوا : يا الله يا رحمن ؛ (أَيًّا ما تَدْعُوا ،) أيّ أسماء الله تدعوه بها ، (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ،) فأسماؤه كلّها حسنة فادعوه بصفاته. وقوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا) قال بعضهم : (ما) في هذا صلة ، ومعناها التأكيد ، تقديره : أيّا تدعون ، ومثله : عمّا قليل ، وخذ ما هنالك ، و (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ)(٢).
قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ؛) قال ابن عبّاس : (نزلت بمكّة ، كان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمعه المشركون سبّوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، ولعبوا وصفّقوا وصفّروا ولغطوا ، كلّ ذلك ليغلطوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكانوا به يؤذونه ، وإذا خافت بالقراءة لم يسمعه أصحابه ، فأنزل الله هذه الآية) (٣). أي لا تجهر بقراءتك في الصّلاة فيسمعها المشركون فيؤذونك ، ولا تخافت بها فلا يسمعها أصحابك. وقال الحسن : (معناه : ولا تجهر بقراءتك في الصّلاة كلّها ولا تخافت بها في الصّلاة كلّها ، ولكن اجهر بها في بعض الصّلوات ، وخافت بها في بعض الصّلوات).
وسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا بكر عن قراءته باللّيل ، فقال : (أخافت بها كي لا أؤذي جاري ، أناجي ربي وقد علم بحاجتي ، فقال صلىاللهعليهوسلم [أحسنت] وسأل عمر رضي الله عنه عن قراءته باللّيل فقال : أرفع صوتي أوقظ الوسنان وأطرد الشّيطان ، فقال : [أحسنت] فلمّا نزلت هذه الآية قال لأبي بكر : [زد في صوتك] وقال لعمر : [انقص من
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٧١٩٤).
(٢) آل عمران / ١٥٩.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٧٢٠٨) بإسنادين. والبخاري في الصحيح : كتاب التفسير : الحديث (٤٧٢٢).