قوله تعالى : (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) (٨٩) ؛ أي سلك طريقا آخر نحو المشرق. قوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) (٩٠) ؛ أي حتى إذا انتهى إلى آخر العمارة من جهة المشرق وجد عند الشمس قوما لم يكن لهم جبل ولا شجر ولا شيء يسترهم عن الشمس. قال لكلبيّ : (معناه حفاة عراة يفترش أحدهم أذنه ويلبس الأخرى).
قوله تعالى : (كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) (٩١) ؛ أي وجد قوما كذلك. قيل : الذين كانوا عند مغرب الشّمس ، وقيل : معناه : كما بلغ مغرب الشمس وكذلك بلغ مطلعها ، ثم استأنف وقال (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) أي علما.
قوله تعالى : (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢ حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ؛) أي ثم أتبع سببا ثالثا مما يبلغه قطرا من أقطار الأرض ، وقيل : أتبع سببا : حتى إذا بلغ طريقا من المشرق نحو الرّوم ، وحتى إذا بلغ بين الجبلين الذين جعلوا الرّدم بينهما ، وهما السدّان.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو : (السَّدَّيْنِ) بفتح السّين ، وقرأ الباقون بضمّها ، وهما لغتان ، (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما) الجبلين ، (قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) (٩٣) أي لا يكادون يفقهون قول غيرهم ، ولا يعرفون لغة غيرهم.
قرأ حمزة والكسائيّ وخلف (يفقهون) بضمّ الياء وكسر القاف ، ومعناه : لا يكادون يفقهون أحدا قولا. قال ابن عبّاس رضي الله عنهما : (لا يفقهون كلام أحد ، ولا أحد يفهم كلامهم).
قوله تعالى : (قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ؛) أي قالوا بإشارة أو ترجمان ؛ لأنه قد تقدّم أنّهم لا يفقهون قولا ، إن يأجوج ومأجوج ، وهما قبيلتان من أولاد يافث بن نوح مفسدون في الأرض ؛ أي يفسدون أموال الناس ؛ لأنّهم كانوا أهل بغي وظلم. قال الكلبيّ : (كانوا يخرجون إلى أرض هؤلاء الّذين شكوهم إلى ذي القرنين أيّام الرّبيع فلا يدعون فيها شيئا أخضر إلّا أكلوه ، ولا يابسا إلّا احتملوه).