قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) (٥٦) ؛ اسم ادريس أخنوخ ، وهو جدّ أبي نوح ، وسمي إدريس لكثرة درسه الكتب ، وكان خيّاطا وهو أول من خطّ بالقلم ، وهو أول من خاط الثياب ولبس المخيط ، وأول من نظر في علم النّجوم والحساب.
قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) أنزلت عليه ثلاثون صحيفة ، وهو أول من لبس القطن ، وكانوا قبل ذلك يلبسون جلود الضّأن. قوله تعالى : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) (٥٧) ؛ روي عن أنس بن مالك ، وأبي سعيد الخدريّ ومجاهد : (أنّه رفع إلى السّماء الرّابعة) (١) ، وقال ابن عبّاس والضحّاك : (إلى السّماء السّادسة). وقيل : معناه : ورفعناه في العلم والنبوّة إلى درجة عالية. وروي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : [لمّا عرج بي رأيت إدريس في السّماء الرّابعة](٢).
وكان سبب رفعه على قول ابن عبّاس : (أنه سار ذات يوم في حاجته فأصابه وهج الشمس ، فقال : يا رب إنّي مشيت يوما واحدا ، فكيف بمن حملها خمسمائة عام في يوم واحد ، اللهمّ خفّف عنه من ثقلها واحمل عنه حرّها ، فلما أصبح الملك الموكّل بها وجد خفّة في حرّها بخلاف ما يعرف ، فقال : يا رب ما الذي قضيت؟ فقال : إنّ عبدي إدريس سألني أن أخفّف عنك حملها وحرّها فأجبته ، فقال : يا رب اجمع بيني وبينه صبحة فأذن له حتى أتى إلى إدريس ، فسأله عن ذلك فأخبره أنه دعا له شفقة عليه ، ثم حمله ملك الشمس على جناحه ، ورفعه إلى السّماء بإذن الله تعالى).
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ ؛) معناه : إن الذين ذكرتهم هم الذين أكرمهم الله بالنبوّة والإسلام من ذريّة آدم ، وإنّما قرن ذكر نسبهم مع أنّ كلّهم كانوا لآدم ليبيّن مراتبهم في شرف النسب ، فإنه كان
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٧٩٢٤). وأخرجه مسلم في الصحيح : كتاب الإيمان : باب الإسراء برسول الله صلىاللهعليهوسلم : الحديث (٢٥٩ / ١٦٢).
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٣ ص ٢٦٠. والترمذي في السنن : كتاب تفسير القرآن : باب ومن سورة مريم : الحديث (٣١٥٧).