قوله تعالى : (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) (٧٠) ؛ أي نحن أعلم بالأولى بدخول النار وشدّة العذاب ، وأحقّهم بعظيم العقاب. والصّليّ : هو اللّزوم ، من قولهم صلي بالنار صليّا.
قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ؛) اختلفوا في الخطاب الذي في أوّل هذه الآية ، قال بعضهم : هو راجع إلى الكفار ؛ لأنه تقدّمه قوله تعالى : (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا ،) وقال الأكثرون : هذا خطاب مبتدأ لجميع الخلق ، ودليله قوله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ ؛) أي ننجي من الواردين من اتّقى.
ثم اختلف هؤلاء أيضا في معنى الورود ، قال بعضهم : هو الدّخول كما في قوله تعالى (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ)(١) أي أدخلهم النار ، وقالوا : إلّا أنّها تكون على المؤمنين بردا وسلاما ، واستدلّوا بما روى جابر رضي الله عنه : أنّه أهوى بيديه إلى أذنيه وقال : صمّتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : [الورود الدّخول ، لا يبقى برّ ولا فاجر إلّا دخلها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما ، كما كانت على إبراهيم ، حتّى أنّ للنّار ضجيجا بورودهم](٢). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [ما من مسلم يموت له ثلاثة أولاد لم يلج النّار إلّا تحلّة القسم ، ثمّ قرأ : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها)](٣).
ومعنى القسم : أن أول هذه الآية فيها إضمار القسم ؛ تقديره : والله ما منكم من أحد إلّا واردها ، وروي عن ابن مسعود أنه قال : [الصّراط على متن جهنّم مثل حدّ السّيف ، تمرّ عليه الطّائفة الأولى كالبرق ، والثّانية كالرّيح ، والثّالثة كالجواد السّابق ، والرّابعة كأجود البهائم ، ثمّ يمرّون والملائكة يقولون : اللهمّ سلّم ؛ اللهمّ سلّم](٤).
__________________
(١) هود / ٩٨.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٣ ص ٣٢٩. والحاكم في المستدرك : كتاب الأهوال : باب يرد الناس النار ثم يصدرون عنها : الحديث (٨٧٨٢).
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الأيمان والنذور : باب قوله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) : * الحديث (٦٦٥٦). ومسلم في الصحيح : كتاب البر والصلة : باب فضل من يموت وله ولد : الحديث (١٥٠ / ٢٦٣٢).
(٤) رواه الحاكم في المستدرك : كتاب التفسير : باب شعار المسلمين على الصراط : الحديث (٣٤٧٥) ؛ ـ وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه مرفوعا في الرقم (٣٤٧٣)