مشيت ، فلفظ أوّل الآية استفهام ؛ ومعناه : التقرير على المخاطب ، أن الذي في يده عصا ؛ لكيلا تهوله صارت تعبانا.
وقيل : كان الغرض بهذا السّؤال إزالة الوحشة منه ؛ لأن موسى كان خائفا مستوحشا. قوله تعالى : (وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ؛) أي أخبط به الشجر ؛ ليتناثر ورقه فيأكله غنمي. وقرأ عكرمة : (وَأَهُشُّ) بالشّين ، يعني أزجر بها الغنم ، وذلك أنّ العرب تقول : هشّ وقشّ.
قوله تعالى : (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) (١٨) ؛ أي حوائج أخرى ، تقول : لا إرب لي في هذا ؛ أي لا حاجة لي فيه ، واحد المآرب مأربة بضمّ الراء وكسرها وفتحها ، وإنّما لم يقل : أخر ؛ لأجل رؤوس الآي.
قال ابن عبّاس : (كانت مآربه أنه إذا ورد ماء قصر عنه رشاؤه وصله بالمحجن ، ثم أدلى العصا وكان في أسفلها عكّازة يقاتل بها السباع ، وكان يلقي عليها كسائه يستظلّ تحتها ، ومن مآربه أيضا أنه كان اذا أراد الاستسقاء من بئر أدلاها ، فطالت على طول البئر ، فصارت شعبتاها كالدّلو ، وكان يظهر على شعبتيها الشّمعتين بالليل ـ يعني : يضيء له مد البصر ويهتدي بها ـ واذا اشتهى ثمرة من الثمار ركزها في الأرض ، فتغصّنت أغصان تلك الشجرة ، وأورقت أورقها وأثمرت) (١).
ثم كان من المعلوم أنّ موسى لم يرد بهذا الجواب إعلام الله تعالى ؛ لأن الله تعالى أعلم بذلك منه ، ولكن لمّا اقتضى السؤال جوابا لم يكن بدّ له من الإجابة ، فذكر منافع العصا إقرارا بالنعمة فيها والتزاما بما يجب عليه من الشّكر لله ، وهكذا سبيل أولياء الله تعالى في إظهار شكر نعم الله تعالى ، وفي هذا جواب عن بعض الملحدة في باب المسألة كانت عن فائدة ما في يده ، ولم يكن عن منافعها ، فلم كان الجواب عن ما لم يسأل؟
__________________
(١) ينظر : الدر المنثور : ج ٥ ص ٥٥٥ ، بمعناه ، قال : (أخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه).