وقوله تعالى : (قالَ أَلْقِها يا مُوسى) (١٩) ؛ أي ألقها من يدك ، (فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) (٢٠) ؛ تشتدّ رافعة رأسها ، عيناها تتوقّدان نارا ، تمشي بسرعة على بطنها ، لها عرف كعرف الفرس ، فلما عاين ذلك موسى ولّى مدبرا ولم يعقّب هاربا منها ، فنودي يا موسى : إرجع ، فرجع وهو شديد الخوف و (قالَ ؛) الله له : (خُذْها) بيمينك ؛ (وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) (٢١) ؛ عصا كما كانت.
فلما أمره الله بأخذها أدنى طرف ثوبه على يده ، وكان عليه مدرعة من صوف ، فلما جعل طرف المدرعة على يده ليتناولها ، قال ملك : يا موسى ؛ أرأيت لو أنّ الله قد رعاك ما تحاذره؟ أكانت المدرعة تغني عنك شيئا؟ قال : لا ؛ ولكنّي ضعيف ومن ضعف.
فأمر أن يدخل يده في فمها فكشف عن يده ، ثم وضعها في فم الحيّة ، وإذا يده في الموضع الذي كان يضعها فيه بين الشّعبتين اللّتين في رأس العصا ، وإنّما أمر بإدخال يده في فمها ؛ لأنه إنّما يخشى من الحيّة من فمها ، فأراد الله أن يريه من الآية التي لم يقدر عليها مخلوق ، ولئلا يفزع منها اذا ألقاها عند فرعون ، فلا يولّي مدبرا.
قوله تعالى : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى) (٢٢) ؛ قال الفرّاء : (جناح الإنسان عضده أي من غير أصل إبطه) (١) والمعنى : أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء ذات شعاع من غير مرض ولا برص آية أخرى نعطيكها مع العصا ، (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) (٢٣) ؛ سوى هاتين الآيتين ، فكان عليهالسلام إذا جعل يده في جيبه خرجت بيضاء يغلب شعاعها نور الشمس. قال ابن عبّاس : (كان ليده نور ساطع يضيء باللّيل والنّهار كضوء الشّمس والقمر وأشدّ ضوءا).
قوله تعالى : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) (٢٤) ؛ أي جاوز الحدّ في العصيان ، وكفر وتكبّر.
__________________
(١) قاله الفراء في معاني القرآن : ج ٢ ص ١٧٨.