قوله تعالى : (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (٢٦) أي وسّع لي صدري لأتمكّن من تحمّل أثقال الرسالة ، والقيام بأدائها ومخاصمة الناس فيها ، وسهّل لي أمري برفع المشقّة ووضع المحبّة. قوله تعالى : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي) (٢٨) ؛ أي وارفع العقدة من لساني ؛ ليفقهوا قولي : كلامي.
وكان سبب العقدة في لسانه أنه كان في حجرة فرعون ، فأتى يوم فأخذ بلحيته فنتف منها شيئا ، وقال فرعون لامرأته آسية : إنّ هذا عدوّي المطلوب وهمّ بقتله ، فقالت له آسية : لا تفعل ، فإنه طفل لا يعقل ، ولا يفرّق بين الأشياء ولا يميز ، وعلامة ذلك : أنه لا يميز بين الدّرّة والجمرة ، ثم جاءت بطشتين ، فجعلت في أحدهما الجمر من النار ، وفي الآخر الجوهر والحليّ ، ووضعتهما بين يدي موسى ، فأراد موسى أن يأخذ شيئا من الحليّ ، فأخذ جبريل بيده فوضعها على النار ، فأخذ جمرة ووضعها في فمه حتى أحرق لسانه ، فكانت في لسانه رتّة ، فدفع عنه أكثر الضّررين بأقلّهما.
وقد اختلفوا في هذه العقدة : هل زالت بأجمعها في وقت نبوّته ، أم لا؟ قال بعضهم ـ وهو الأصحّ وإليه ذهب الحسن ـ : أنّ الله استجاب له ، فحلّ العقدة من لسانه ؛ لأنه تعالى قال (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) فعلى هذا قول فرعون (وَلا يَكادُ يُبِينُ)(١) أي لا يأتي ببيان يفهم ، وكان هذا القول كذبا منه ؛ ليصرف الوجوه عنه.
قوله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي) (٢٩) ؛ الوزير الذي يؤازر الأمير فيحمل عنه بعض ما يحمل ، فيكون المعنى : واجعل لي عونا وظهرا من أهلي ، وقال الزجّاج : (اشتقاقه من الوزر وهو الجبل الّذي يعتصم به لينجو من الهلكة).
ثم بيّن الوزير من هو ، فقال : (هارُونَ أَخِي) (٣٠) ، قيل : هرون مفعول (اجْعَلْ) ، تقديره : اجعل هرون أخي وزيرا لي ، (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) (٣١) ؛ أي أقوّي به ظهري ، والأزر الظّهر ، لنتعاون على الأمر الذي أمرتنا به ، يقال : آزرت فلانا إذا عاونته.
__________________
(١) الزخرف / ٥٢. الرّتّة ؛ بالضم : العجمة في الكلام.