فلما رأى ذلك أمر الجواري والغلمان بإخراجه فأخرجوه ، فإذا هو صبيّ من أحسن الناس وجها ، فلما رآه فرعون أحبّه بحيث لم يتمالك ، فذلك قوله تعالى : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) قال عطية العوفي (١) : (وجعل عليه مسحة من جمال فأحبّه كلّ من رآه).
وقال عطاء عن ابن عبّاس : (معنى قوله تعالى (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) أي لا يلقاك أحد إلّا أحبّك من مسلم وكافر) (٢) ، وقال عكرمة : (ألقيت عليك محبّة وملاحة وحسنا) (٣) ، فحين أبصرت آسية وجهه قالت لفرعون : قرّة عين لي ولك. وقال أبو عبيدة : (معناه : جعلت لك محبّة عندي وعند غيري ، أحبّك فرعون ، فسلمت من شرّه ، وأحبّتك امرأته فتبنّتك). قوله تعالى : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (٣٩) ؛ أي ولتربّى وتغذى بمرأى أراك على ما أريد بك من الرفاهية في غذائك. وقال قتادة : (معناه : لتغذى على محبّتي).
وأراد في قوله تعالى : (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ ؛) وذلك أن موسى جعل يبكي ويطلب اللّبن ، فأمر فرعون حتى أتى بالنّساء اللّواتي حول فرعون ليرضعن موسى ، فلم يقبل ثدي واحدة منهن ، وكانت أخت موسى متّبعة للتابوت ماشية خلفه.
فلما حمل التابوت إلى فرعون ، ذهبت هي معه ، فقالت : هل أدلّكم على من يكفله؟ أي يرضعه ويضمّه ويحصنه؟ فقالوا : من هي؟ قالت : امرأة قد قتل ولدها ، وهي تحبّ أن تجد صبيّا ترضعه. فأذن لها فرعون في إحضارها ، فانطلقت وأتت بأمّ
__________________
(١) عطية بن سعد بن جنادة العوفيّ الجدلي القيسي الكوفي ، أبو الحسن. تابعي روى عن بعض الصحابة. تكلم فيه ، وقال مسلم بن الحجاج : (قال أحمد وذكر عطية العوفي ، فقال : ضعيف الحديث ، ثم قال : بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي ويسأله عن التفسير). ترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب : ج ٥ ص ٥٩٠ ـ ٥٩٢ : الرقم (٤٧٥٥).
(٢) في الدر المنثور : ج ٥ ص ٥٦٧ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم).
(٣) في الدر المنثور : ج ٥ ص ٥٦٨ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد بن حميد).