موسى ، فأعطته الثدي فأخذه موسى ، وفرح به فرعون ، وجعل لها الأجرة على الإرضاع ، وحملته أمّه إلى دارها ، فذلك قوله تعالى : (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ ؛) أي رددناك إليها ؛ كي تطيب نفسها ، ولا تحزن على ابنها.
قوله تعالى : (وَقَتَلْتَ نَفْساً ؛) يعني القبطيّ الذي وكزه موسى فقضى عليه ، (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ ؛) أي غمّ القود ، وخلّصناك من أن تقتل. قوله تعالى : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ؛) أي أوقعناك في محنة بعد محنة ، ونحن نخلّصك منها ، وذلك أنه حمل به في السّنة التي يذبح فرعون فيها الأطفال ، ثم إلقاؤه في البحر ، ومنع الرّضاع إلّا ثدي أمّه ، ثم جرّ لحية فرعون حتى همّ بقتله ، ثم تناوله الجمرة ، ثم قتله القبطيّ ، ثم خروجه إلى مدين خائفا يترقّب.
فمعنى : (فَتَنَّاكَ فُتُوناً) اي خلّصناك من تلك المحن. وقيل : معناه شدّدنا عليك في أمر المعاش حتى رعيت لشعيب عشر سنين. وقال ابن عبّاس : (معناه : اختبرناك اختبارا) (١) ، وقال الضحّاك : (ابتليناك ابتلاء) ، وقال مجاهد : (خلّصناك خلاصا) (٢).
قوله تعالى : (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ؛) يعني لبثت في أهل مدين حين كنت راعيا لشعيب ، مكثت عشر سنين. وتقدير الكلام : وفتنّاك فتونا ؛ فخرجت إلى أهل مدين فلبثت سنين. وبلاد أهل مدين على ثلاث مراحل من مصر. وقال وهب : (لبثت في أهل مدين عند شعيب ثماني وعشرين سنة ، عشر سنين التي رعى فيها لشعيب ، وثماني عشرة سنة أقام عنده حتى ولد له ، وقتل القبطيّ يوم قتله وهو ابن اثنتي عشرة سنة).
قوله تعالى : (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) (٤٠) ؛ معناه : فلبثت سنين في أهل مدين حين كنت راعيا لشعيب ، ثم جئت على المقدار الذي قدّره الله عليك ، وكتبه في اللّوح المحفوظ. قال ابن كيسان : (جاء على رأس أربعين سنة ، وهو القدر الّذي يوحى فيه إلى الأنبياء).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٨١٩١).
(٢) في الدر المنثور : ج ٥ ص ٥٦٨ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم).