لم يضمن شيئا ، واستدلّوا أيضا بما روي : [أنّ ناقة كانت للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته ، فقضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أهل الأموال حفظها بالنّهار ، وعلى أهل المواشي حفظها باللّيل](١).
وأما أصحابنا فلا يرون في هذه المسألة ضمانا ليلا ولا نهارا ، إذا لم يكن صاحبه هو الذي أرسله فيه ، ولا حجّة لهم في هذه الآية ؛ لأنه لا خلاف أن من نفشت إبله أو غنمه في حرث رجل أنه لا يجب عليه أن يسلّم الغنم ، ولا يسلم أولادها وألبانها وأصوافها إليه ، فثبت أنّ الحكمين اللذين حكم بهما داود وسليمان (عليهماالسلام) منسوخان بشريعة محمّد صلىاللهعليهوسلم.
وقد روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [العجماء جبار](٢) وهذا خبر مستعمل متّفق على استعماله في البهيمة المنفلتة إذا أصابت إنسانا أو مالا أنه لا ضمان على صاحبها إذا لم يرسلها هو عليه ، وليس في قصّة البراء بن عازب إيجاب الضمان ، ولأنّ الأشياء الموجبة للضمان لا تختلف بالليل والنهار.
قوله تعالى : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ؛) أي وسخّرنا الجبال والطير يسبحن مع داود ؛ أي أن الجبال كانت تسير مع داود أين يذهب ، ومما يؤيد هذا قوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)(٣) ، قوله تعالى : (وَكُنَّا فاعِلِينَ) (٧٩) ؛ هذه الأشياء دلالة على نبوّته. قوله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ ؛) أي وعلّمنا داود صنعة الدّرع ، وسمي الدرع لبوسا ؛ لأنّها تلبس ، كما يقال للبعير : ركوب ؛ لأنه يركب ، والسلاح كله لبوس عند العرب درعا كان أم جوشنا أو سيفا أم رمحا ، والجوشن هو الدرع الصغيرة. قال قتادة : (أوّل من صنع الدّرع داود ، وإنّما كانت من صفائح ، فهو أوّل من سردها وحلفها) (٤).
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٥ ص ٤٣٦. وأبو داود في السنن : كتاب البيوع : باب المواشي تفسد زرع القوم : الحديث (٣٥٦٩).
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٣ ص ٤٧٥. والنسائي في السنن : ج ٥ ص ٤٤ ـ ٤٥.
(٣) سبأ / ١٠.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٨٦٦٩). وابن أبي حاتم في التفسير : الأثر (١٣٦٨٨).