قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) (١٠٠) ؛ الزّفير شدّة النّفس بهول ما يرد على صاحبه ، وهم فيها لا يسمعون شيئا ، ولا يرى أحد منهم أنّ في النار أحدا يعذب غيره. قال ابن مسعود : (يجعلون في توابيت من نار ، ثمّ جعلت تلك التّوابيت في توابيت أخرى فلا يسمعون شيئا) (١).
وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنّه أتى قريشا وهم في المسجد مجتمعون وحولهم ثلاثمائة وستّون صنما مصفوفة ، لكلّ قوم صنم لهم ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [إنّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم أنتم لها واردون] ثمّ ذهب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فشقّ عليهم ذلك ، فأتاهم عبد الله بن الزّبعرىّ فرآهم يتهامسون ، فقال : فيم حوصكم؟! فأخبره الوليد بن المغيرة بما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال ابن الزّبعرىّ : أما والله لو وجدته لخصمته.
فدعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال ابن الزبعرى : أنت قلت أنّا وما نعبد في النّار؟ قال : خصمتك ورب الكعبة ، أليست اليهود تعبد عزيرا ، والنّصارى تعبد المسيح ، وبني مليح يعبدون الملائكة! أفترى أنّ هؤلاء لا يكونون في النّار؟ فبيّن له النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أنّ الله تعالى أراد به الأوثان. وفي الآية ما يدلّ على ذلك ؛ لأنّ قوله تعالى (وَما تَعْبُدُونَ) لا يكون إلّا لما لا يعقل ، إذ لو أراد الملائكة والناس لقال (ومن تعبدون) (٢). ثم أنزل الله تعالى :
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (١٠١) ؛ معناه : أنّ عيسى وعزيرا والملائكة هم الذين سبقت لهم منّا الحسنى ؛ أي وجبت لهم العدة من الله تعالى بالبشرى والسعادة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٨٧٧٠). وابن أبي حاتم في التفسير : الأثر (١٣٧٣٣).
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : الحديث (١٢٧٣٩). وفي مجمع الزوائد : ج ٧ ص ٩٦ ؛ قال الهيثمي : (وفيه عاصم بن بهدلة وقد وثق وضعفه جماعة).