قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا ؛) أي إنّ الذين آمنوا بمحمّد والقرآن وجميع أصناف الكفّار من اليهود ، (وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ؛) بين هؤلاء الفرق الخمس وبين المؤمنين ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ ؛) بأن يدخل المؤمنين الجنّة ، وتلك الفرق النار ، (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١٧) ؛ أي عليم بكلّ شيء من أعمال هؤلاء.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ ؛) أي ألم تعلم يا محمّد أنّ الله يسجد له أهل السّموات من الملائكة ، (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ؛) من الجنّ والإنس من المؤمنين.
قوله تعالى : (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ؛) يسجدون لله ؛ أي يخضعون ؛ لأنّ سجود هذه الأشياء خضوعها وانقيادها لخالقها فيما يريد منها. وقال أبو العالية : (ما في السّماء نجم ولا شمس ولا قمر إلّا وهو يسجد لله حين يغيب ، ثمّ لا ينصرف حتّى يؤذن له) (١).
قوله تعالى : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ؛) أي وكثير من الكفّار الذين سيؤمنون من بعد ، وانقطع ذكر الساجدين ثم استثناه فقال : (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ ؛) أي ممّن لا يوحّده وأبى السجود ، وقوله تعالى : (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ؛) أي من يهن الله بالشّقاء ، فما أحد يكرمه بالسعادة ، (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (١٨) ؛ من الإهانة والكرامة والشّقاوة والسعادة ، وهو المالك للعقوبة والمثوبة.
قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ؛) أراد بالخصمين المؤمنين والكفار ، وقيل : أهل الكتاب وأهل القرآن ، والمعنى : اختصموا في دين ربهم ، فقالت اليهود والنصارى : نحن أولى بالله منكم ؛ لأنّ نبيّنا قبل نبيّكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، وقال المسلمون : نحن أحقّ بالله منكم ، آمنّا بكتابنا وكتابكم ونبيّنا ونبيّكم ، وأنتم كفرتم بنبيّنا حسدا.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٨٨٨٢).