قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) معناه : لم يخرجوهم إلّا بأن كانوا يوحّدون الله تعالى فأخرجوهم لتوحيدهم ، المعنى : لم يخرجوهم من ديارهم إلّا لقولهم ربّنا الله ، فيكون (أَنْ) في موضع الخفض ردا على الباء في قوله (بِغَيْرِ حَقٍّ) ، ويجوز أن تكون (أَنْ) في موضع نصب على الاستثناء.
قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ ؛) أي لو لا أن يدفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم في زمن كلّ شيء ما بني للصلاة والعبادة نحو الصّوامع ، (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً.)
قال مجاهد والضحّاك : (يعني صوامع الرّهبان) (١) ، وقال قتادة : (الصّوامع للصّابئين ؛ وهي متعبّداتهم ، والبيع جمع بيعة ؛ وهي متعبّد النّصارى ، والصّلوات هي كنائس اليهود ، وكان اليهود يسمّونها بالعبرانيّة صلواتا ، والمساجد الّتي يصلّي فيها المسلمون) (٢).
والمعنى : لو لا كفّ الله الناس بعضهم ببعض بالجهاد ، وكفّ الظّلم لحرب في كلّ شريعة ، كلّ بنى المكان الذي يصلّى فيه ، فكان لو لا الدفع لهدم في زمن موسى عليهالسلام الكنائس ، وفي زمن عيسى عليهالسلام الصّوامع والبيع ، وفي زمن محمّد صلىاللهعليهوسلم المساجد. وعن مجاهد أنه قال : (البيع لليهود يسمّونها صلوات) ، وقال أبو العالية : (هي مساجد للصّابئين). فعلى هذا يكون المعنى : لهدّمت صوامع الصلوات. ويقال : أراد بالصّلوات الصلوات المعهودة التي للمسلمين ، وهدمها إبطالها وإهلاك من يفعلها.
والأولى أن يستدلّ بهذه الآية على أنّ هذه المواضع المذكورة التي يجري فيها اسم الله تعالى لا يجوز أن تهدم في شريعة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم على كلّ من كان له ذمّة ، أو جهاد من الكفّار ، فأما في ديار الحرب فيجوز للمسلمين هدمها إذا فتحت دارهم عنوة ، ولم يقرّوا عليها بالجزية ، كما يجوز هدم سائر دورهم.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٩١١١).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٩١١٤ و ١٩١١٦ و ١٩١٢٢ و ١٩١٢٨).