(ظنّوا بجهلهم أنّهم يعجزون الله فلا يقدر عليهم ، وهيهات) (١). وهذا كقوله (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا)(٢) ، ومن قرأ (معجزين) فمعناه : أنّهم كانوا يعجزون مع من اتبع النبيّ صلىاللهعليهوسلم أي ينسبونهم إلى العجز.
وقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ ؛) قال ابن عبّاس وابن جبير والضحّاك : (وذلك أنّ الشيطان أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في صورة جبريل وهو قائم يصلّي عند الكعبة يقرأ سورة (والنجم) حتّى اذا انتهى إلى قوله تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ، وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى)(٣) ألقى الشيطان على لسانه (تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى) ، فلما سمع المشركون أعجبهم ذلك ، فلما انتهى إلى آخر السورة سجد ، وسجد معه المسلمون والمشركون إلّا الوليد بن المغيرة ، فإنه لم يقدر على السّجود لكبره ، فقال : ائتوني بالتّراب ، فأتوه بالتراب فوضعه على كفّه ، ثم سجد على كفّه ، فلما نزل جبريل على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ذكر له ذلك ، فقال جبريل : ما جئتك بهذه ولا أنزله الله تعالى ، فقال : أتاني شيء في مثل صورتك فألقاه عليّ) (٤).
وهذا حديث أنكر أهل العلم إجراءه على ظاهره ، وقالوا : كيف يجوز أن يجعل الله للشيطان على رسوله هذا السلطان ، أو يختار لرسالته من لا يميّز بين وحي الله ووساوس الشّيطان؟! ومن المعلوم أن من نسب النبيّ صلىاللهعليهوسلم به إلى ما يرجع إلى تعظيم الأصنام فقد كفر ، إلّا أنه يحتمل أن يكون الشيطان ألقى في تلاوة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ما لم يقله ، وخيّل إلى من سمع تلاوته من الذين كانوا بالبعد منه أنه جرى على لسانه ، وإنّما هو من لسان الشيطان ، وكان ذلك فتنة للتابعين ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم معصوما من أن يجري
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٩١٥٣). وابن أبي حاتم في التفسير : ج ٨ ص ٢٥٠٠.
(٢) العنكبوت / ٤.
(٣) النجم / ١٩ و ٢٠.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الآثار (١٩١٥٨ و ١٩١٥٩ و ١٩١٦٠).