على لسانه ما لم ينزّله الله. وقد يذكر التّمنّي ويراد به القراءة كما قال الشاعر (١) :
تمنّى كتاب الله أوّل ليله |
|
وآخره لاقي حمام المقادر |
وقال جماعة من المفسّرين : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم حريصا على إيمان قومه ، وتمنّى في نفسه من الله أن يأتيه ما يقارب بينه وبين قومه ، فجلس ذات مرّة بهم في مجلس كثير أهله ، وأحبّ يومئذ أن يأتيه من الله شيء فقرأ عليهم سورة النّجم ، فلما بلغ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ، وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ألقى الشيطان على لسانه (تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهم ترتجى) فلما سمعت قريش ذلك فرحوا وقالوا : قد ذكر محمّد آلهتنا بأحسن الذكر ، ومضى النبيّ صلىاللهعليهوسلم في قراءته ، فلما ختم السورة سجد في آخرها وسجد معه المسلمون والمشركون إلّا الوليد بن المغيرة وسعيد بن العاص فإنّهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتهما وسجدا عليها ؛ لأنّهما كانا شيخين كبيرين لم يستطيعا أن يسجدا.
وتفرّقت قريش وقد سرّهم ما سمعوا (٢) وقالوا : قد عرفنا أن آلهتنا تشفع لنا ، فنزل جبريل على النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال له : يا محمّد لقد تلوت قومك ما لم آتك به عن الله عزوجل ، فاشتدّ ذلك على النبيّ صلىاللهعليهوسلم وحزن حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا ، فأنزل الله هذه الآية تطيّب نفس محمّد صلىاللهعليهوسلم وتخبره (٣) بأن الأنبياء قبله كانوا مثله ، ولم يبعث نبيا إلّا تمنّى أن يؤمن قومه ، ولم يتمنّ ذلك نبيّ إلّا ألقى الشيطان عليه ما يرضي قومه. فلما نزلت هذه الآية قالت قريش : ندم محمّد على ما ذكره من منزلة آلهتنا عند الله فغيّر ذلك وجاء بغيره (٤).
__________________
(١) البيت لحسان بن ثابت رضي الله عنه يرثي عثمان بن عفان رضي الله عنه وأول ليلة أو أول ليله ، أي قرأ القرآن كله أول الليل. وسيأتي بلفظ آخر قريبا.
(٢) في المخطوط : (فأسمعوا) وهو غير مناسب.
(٣) في المخطوط : (ويخبره).
(٤) روايات من حديث محمّد بن كعب القرظي ، أخرجه الطبري في جامع البيان : الرقم (١٩١٥٥ ـ ١٩١٥٦).