وقال عطاء عن ابن عبّاس : (إنّ شيطانا يقال له الأبيض أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فألقى في قرآنه : إنّها الغرانيق العلى وأن شفاعتها لتترجى ، ولم يقلها النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، بل سمعه القوم من الشيطان ، وكلّ ذلك فتنة من الله تعالى لعباده المسلمين والمشركين ، فالمشركون ازدادوا كفرا بذلك ، والمسلمون اشتدّ عليهم الأمر).
ومعنى الآية : وما أرسلنا من قبلك من رسول وهو الذي يأتيه جبريل بالوحي عيانا وشفاها ، ولا نبيّ وهو الذي تكون نبوّته إلهاما أو مناما ، فكلّ رسول نبيّ ، وليس كلّ نبيّ مرسل. قوله تعالى : (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) أي أحبّ شيئا واشتهاه وحدّث نفسه من غير أن يؤمر به (ألقى الشّيطان في أمنيته) أي في قراءته وتلاوته ، ونظيره قوله تعالى : (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ)(١) أي قراءة تقرأ عليهم. قال الشاعر في عثمان رضي الله عنه :
تمنّى كتاب الله أوّل ليلة |
|
وآخرها لاقى حمام المقادر |
وقال الحسن : (أراد بالغرانيق الملائكة) يعني أن شفاعتهم ترتجى منهم لا من الأصنام. قوله تعالى : (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) أي يبطله ويزيله ثم يحكم الله آياته فيثبتها ، (وَاللهُ عَلِيمٌ ؛) بمصالح عباده ، (حَكِيمٌ) (٥٢) ؛ في تدبيره.
قوله تعالى : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ؛) أي ليجعل ما يلقي الشيطان في قراءته فتنة للذين في قلوبهم شكّ ونفاق ؛ لأنّهم افتتنوا بما سمعوا فازدادوا عتوّا ، وظنّوا أن محمّدا صلىاللهعليهوسلم يقول الشيء من عند نفسه فيبطله.
قوله تعالى : (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ؛) يعني المشركين كذلك ازدادوا فتنة وضلالة وتكذيبا ، سمّاهم قاسية قلوبهم ؛ لأنّها لا تلين لتوحيد الله ، وقوله تعالى : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ ؛) يعني أهل مكّة ، (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) (٥٣) ؛ أي مشاقّة بعيدة عن الحقّ.
قوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ؛) معناه : وليعلم المؤمنون رجوعك إلى الصواب ، إنّ ذلك حقّ من ربك فتخضع وتذلّ له قلوبهم. وقيل : معناه : وليعلم الّذين أوتوا العلم التوحيد والقرآن.
__________________
(١) البقرة / ٧٨