قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ ؛) أي ألم تعلم أنّ الله ذلّل لكم ما في الأرض ؛ يعني البهائم التي تركب ، وسخّر لكم (وَالْفُلْكَ ؛) أي السّفن ؛ (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ.)
قوله تعالى : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ؛) أي حبس عنكم السّماء حتى لا تقع عليكم فتهلكوا. قوله تعالى : (إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي إلّا بإرادته ، (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٦٥) ؛ أي متفضّل على عباده ، منعم عليهم.
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ؛) أي أحياكم في أرحام أمّهاتكم ، ولم تكونوا شيئا. وقيل : معناه : أحياكم بعد أن كنتم نطفة ميتة ، ثم يميتكم بعد إنقضاء آجالكم ، ثم يحييكم بعد الموت عند البعث للحساب ، (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) (٦٦) ؛ يعني المشرك الجحود لنعم الله حتى ترك توحيده بعد ظهور الآيات الداعية إلى الحقّ.
قوله تعالى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ ؛) أي لكلّ أهل دين جعلنا شريعة هم عاملون بها ، وقيل : موضعا تعتادونه لعبادة الله ، ومكانا تعيشونه وتعملون الخير فيه. وقيل : معناه : لكلّ أمّة جعلنا عبرا. وقال قتادة : (موضع قربان يذبحون فيه) ، وقيل : المنسك جميع العبادات التي أمر الله بها ، كما قال صلىاللهعليهوسلم يوم الأضحى : [إنّ أوّل نسك في يومنا هذا الصّلاة ثمّ الذبح](١). وقيل : أراد بالمنسك في هذه الآية المذبح الذي يتقرّبون فيه بذبائحهم إلى الله تعالى ، كما جعل مكانا منحرا للإنسان ؛ لأن النّسك إذا أطلق أريد به الذبح من جهة القربة ، كما قال (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)(٢).
قوله تعالى : (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ؛) معناه : النّهي عن المنازعة بعد ظهور ما يوجب نسخ الشرائع المتقدّمة ، كما يقال : لا يخاصمك فلان في هذا الأمر. وقيل : معناه : لا ينازعنّك في أمر الذبح ، وذلك أن كفار قريش خاصموا رسول الله
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده : ج ٤ ص ٢٨٢. والبيهقي في السنن الكبرى : ج ٥ ص ٩٨.
(٢) البقرة / ١٩٦.