قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) (٨) ؛ أي الذين هم لما ائتمنوا عليه فيما بينهم وبين الله وبين الناس حافظون حتى يؤدّوه على وجهه. والرّعي : هو القيام على إصلاح ما يتولّاه ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : [كلّكم راع ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته](١) ، وقال الله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)(٢). وقرأ ابن كثير : (لأمانتهم) بالتّوحيد لأنه مصدر واسم جنس فيقع على الكثير (٣) ، والأمانة قد تكون بين العبيد ، كالودائع وأشباهها ، وتكون بين الله وعبيده كالصيّام والاغتسال من الجنابة والصّلاة ، فيجب على المؤمنين الوفاء بجميع حقوق الأمانات. قوله تعالى : (وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) يشتمل على طاعة الله تعالى التي يجب الوفاء بها ، وعلى جميع العقود والأيمان والنّذور.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) (٩) ؛ أي يواظبون على الصّلوات ، ويجتهدون في أوقاتها المداومون فيها بفرائضها وسننها وآدابها.
قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ) (١٠) ؛ أي أهل هذه الصّفات التي ذكرها الله من أوّل هذه السّورة إلى ههنا هم الوارثون الذين يرثون يوم القيامة منازل أهل النّار من الجنّة التي كانت لهم لو أطاعوا الله ورسوله. قال صلىاللهعليهوسلم : [ما منكم من أحد إلّا وله منزلان ، منزل في الجنّة ومنزل في النّار ، فإن مات ودخل النّار ورث أهل الجنّة منزله](٤).
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١١) ؛ الفردوس في اللّغة : هو البستان الجامع لمحاسن أجناس الكروم وغيرها. وقال عكرمة : (الفردوس هو الجنّة بلغة الحبشة).
__________________
(١) رواه الطبراني في الأوسط : ج ٧ : الحديث (٦٨٧٦. والبخاري في الصحيح : كتاب النكاح : باب (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) : الحديث (٥١٨٨).
(٢) النساء / ٥٨.
(٣) ينظر : الحجة للقراء السبعة : ج ٣ ص ١٧٧. وإعراب القرآن للنحاس : ج ٣ ص ٧٨.
(٤) رواه ابن ماجة في السنن : كتاب الزهد : باب صفة الجنة : الحديث (٤٣٤١) بإسناد صحيح.