وقيل : معناه الجحد ، كأنه قال : وما كان مكرهم ليزول منه دين الإسلام وثبوته كثبوت الجبال ، واستحقر مكرهم. ومن قرأ (لتزول) بفتح اللام فمعناه : وإنّ مكرهم قد بلغ منتهاه حتى تزول منه الجبال ، فلا يضرّ ذلك أنبياء الله ورسله ، فإن الله وعد رسله النصر ، لقوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(١).
قوله تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ؛) أي لا تظنّنّ الله يا محمّد مخلف رسله ما وعدهم من النصر وإظهار الدّين ، (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ؛) لا يعجزه شيء ، (ذُو انتِقامٍ) (٤٧) ؛ ذو نقمة ممن عصاه وكفر به.
قوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ ؛) تبديلها أن يزاد فيها وينقص منها ، وتستوي جبالها وأوديتها ، وتمدّ الأديم العكاظيّ (٢) أرضا بيضاء كالفضّة ، وتبديل السّموات انفطارها وانتشار كواكبها وتكوير شمسها وخسوف قمرها (٣).
وذهب بعضهم : إلى أنّ الآية على ظاهرها ، وأن هذه الأرض تبدّل يومئذ بأرض أخرى ، كما روي عن عائشة : أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قرأ عليّ هذه الآية فقلت : يا رسول الله فأين تكون النّاس؟ قال : [على جسر جهنّم] يعني الصّراط (٤) ، وأما السموات على هذا القول ، فإنّها تطوى وتبدّل سماء أخرى ، كما قال الله تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ)(٥). قوله تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٤٨) ؛ أي وبرزوا من قبورهم للمحاسبة.
__________________
(١) الفتح / ٢٢٨.
(٢) أديم عكاظيّ : منسوب إلى عكاظ ، وهو ممّا حمل إليها فبيع بها. وعكاظ اسم سوق من أسواق الجاهلية المشهورة كانت بقرب مكّة. وعبارة المخطوط هنا فيها نقص وبعض تحريف ، وتم ضبطها وتصويبها كما في جامع البيان للطبري : الحديث (١٥٨٧٤).
(٣) في أصله معنى حديث أخرجه ابن أبي ماجة في السن : كتاب الفتن : الحديث (٤٠٨١) ، ضعفه البعض وصححه آخرون.
(٤) أخرجه مسلم في الصحيح : كتاب صفات المنافقين : باب في البعث والنشور : الحديث (٢٩ / ٢٧٩١). والترمذي في الجامع : أبواب التفسير : الحديث (٣١٢١). والطبري في جامع البيان : الحديث (١٥٨٥١) بأسانيد واللفظ له.
(٥) الأنبياء / ١٠٤.