قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ؛) أي إنّ في ذلك الانفلاق الذي صار نجاة بني اسرائيل ، وفي الانطباق الذي كان سبب غرق آل فرعون لآية على توحيد الله وصدق نبوّة موسى ، (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (٦٧) ؛ أي لم يكن قوم فرعون مع وضوح الأدلة على وحدانيّة الله مصدقين ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ؛) أي القاهر المنتقم من الكفّار ، (الرَّحِيمُ) (٦٨) ، بعباده ، ولم يكن آمن من أهل مصر غير آسية بنت مزاحم ، وحزقيل المؤمن ، ومريم بنت ناموثية التي دلّت على عظام يوسف (١) ، فلذلك قال (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ). وقيل : معنى قوله (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) أي العزيز في انتقامه من أعدائه حين أغرقهم ، الرّحيم بالمؤمنين حين أنجاهم.
قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ) (٦٩) ؛ أي إقرأ يا محمّد على قومك ،
(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) (٧١) ؛ أي فنقيم عليها عابدين ، مقيمين على عبادتها ، قال بعض العلماء : إنّما (فَنَظَلُّ لَها) لأنّهم كانوا يعبدونها بالنّهار دون الليل ، (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) (٧٣) ؛ أي هل يسمعون دعاءكم إن دعوتموهم أو ينفعونكم إن دعوتموهم ، أو يضرّونكم إن لم تدعوهم. وقال ابن عبّاس : (معناه : أو يرزقونكم أو يكشفون عنكم الضّرّ).
قوله تعالى : (قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (٧٤) ؛ فنحن نقتدي بهم ، (قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) (٧٦) ؛ أي قال لهم إبراهيم : أفرأيتم هذا الذي تعبدونه أنتم وآباؤكم المتقدّمون ، (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) (٧٧) ؛ أي فإنّني أعاديهم ، أتبرّأ منهم. وقوله تعالى : (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ.) روي أنّهم كانوا يعبدون الله مع الأصنام ، فتبرّأ إبراهيم من جميع ما يعبدونه إلّا من عبادة الله. وإنّما قال (عَدُوٌّ لِي) على التوحيد في موضع الجمع على معنى : أنّ كلّ واحد منهم عدوّ لي.
__________________
(١) ذكره مقاتل في التفسير : ج ٢ ص ٤٥٣.