مرئيّة) (١). والأول أقرب إلى الصحّة ؛ لأنه لو كان للسّماء عماد لكنّا نرى ذلك العماد ، لأن مثل السموات في ثقلها وارتفاعها وعظمها لا يقلّها عماد إلّا وقد يكون ذلك العماد جسيما عظيما. قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) ؛ قد تقدّم تفسيره.
وقوله تعالى : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ؛ تقديره : الله الذي رفع السموات بغير عمد ، ثم سخّر الشمس والقمر وهو مستو على العرش ، لأنّ استيلاء الله على الأشياء قدرته عليها ، وقدرة الله لا تكون محدثة. وتسخير الشمس والقمر إجراؤهما لمنافع بني آدم ، ومعنى السّخر أن يكون الشيء مقهورا لا يملك لنفسه ما يخلّصه من القهر. قوله تعالى : (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) ؛ إلى وقت معلوم وهو وقت فناء الدّنيا ، فإذا انفنت الّدنيا كوّرت الشمس وانكدرت النجوم.
قوله تعالى : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ) ؛ أي يقضي القضاء ، ويبعث الملائكة بالوحي ، وينزل الرزق والأقضية ، قوله تعالى : (يُفَصِّلُ الْآياتِ) أي يأتي بآية في إثر آية ليكون أمكن للاعتبار والفكر. وقوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (٢) ؛ أي لتستيقنوا بالبعث وبما وعدكم الله به من الثواب والعقاب.
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ؛) بسطها طولا وعرضا ، (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ ؛) أي خلق فيها جبالا ثوابت أوتادا لها ، ولو أراد أن يمسكها من غير رواسي لفعل. قوله تعالى : (وَأَنْهاراً ؛) أي وأجرى فيها أنهارا. قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ؛) أي وخلق من جميع الثمرات من كلّ شيء لونين اثنين ، وجعل فيها الحلو والحامض ، والأسود والأبيض.
وقوله تعالى : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ ؛) أي يأتي بالليل ليذهب بضياء النهار ، فتسكن الناس بالليل ، ويأتي بضياء النهار ليمحو ظلام الليل فتصرف الناس فيه معايشهم ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٣) ؛ في صنع الله ، فيستدلّون بذلك على توحيده.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٥٢٤٩).