قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ ؛) أي أتمّوا العهود التي بينكم وبين الناس إذا حلفتم بالله تعالى ، (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ ؛) العهود ، (بَعْدَ تَوْكِيدِها ؛) توثيقها باسم ، (وَقَدْ جَعَلْتُمُ ؛) قلتم : (اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ؛) شهيدا عليكم بالوفاء ، (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٩١) ؛ من النّقض والوفاء فيجزيكم عليه. وفي الآية دلالة على أنّ الرجل إذا قال : عليّ عهد الله إن فعلت كذا كان يمينا ؛ لأنه تعالى ذكر العهد في أوّل الآية ، ثم عقّبه بقوله : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها).
قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً ؛) أي لا تكونوا في نقض العهود كالتي نقضت غزلها من بعد إبرام وإحكام ، وهي امرأة من قريش أمّ أخنس بن شريق تعرف ب (ريطة الحمقاء) ، كانت تغزل من الصّوف والشعر والوبر بمغزل عظيم مثل طول الذّراع وصنّارة في رأس المغزل مثل طول الإصبع وفلكةّ عظيمة ، فإذا غزلته وأبرمته أمرت جاريتها فنقضته (١). والأنكاث : جمع نكث ، وهو ما تنقّض من غزل الشّعر والقطن ونحوهما ، والمعنى : لا تكونوا في نقض الإيمان كهذه المرأة ، غزلت غزلا ، وأحكمته ثم نقضته فجعلته أنكاثا ، والأنكاث : ما يقطع من الخيوط.
قوله تعالى : (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) ؛ أي تتّخذون عهودكم دخلا وخديعة وغشا وخيانة بينكم. قوله تعالى : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) ؛ أي لأن تكون جماعة هي أعزّ وأكثر من جماعة ، قال مجاهد : (إنّهم كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعزّ ، فينقضون حلف هؤلاء ، ويحالفون الأكثر ، فنهاهم الله عن ذلك) (٢).
__________________
(١) هي ريطة بنت عمرو بن كعب بن تيم بن مرّة. ينظر : تفسير مقاتل بن سليمان : ج ٢ ص ٢٣٥. وفي اللباب في علوم الكتاب : ج ١١ ص ١٤٨ ـ ١٤٩ نقله عن الكلبي ومقاتل. وذكره مختصرا ابن أبي حاتم في التفسير : الرقم (١٢٦٤١ ـ ١٢٦٤٣) والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ١٧١.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٦٥١٨).