وحاصل التأويل النهي عن أن تحلف على شيء وهو منطو على خلافه ، وأن يغرّ غيره يمينه. قوله تعالى : (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ ؛) أي إنما يخبركم بأمره إياكم بالوفاء بالعهد ، (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٩٢) ؛ في الدّنيا من الحقّ والباطل.
قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ؛) أي أهل ملّة واحدة ودين واحد ، (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ؛) بتوفيقه فضلا منه ، (وَلَتُسْئَلُنَّ ،) يوم القيامة ، (عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٩٣) ؛ من الخير والشرّ.
قوله تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ؛) أي مكرا وخديعة ، (فَتَزِلَّ قَدَمٌ ؛) فتزلّوا عن طاعة الله كما تزلّ قدم الرجل ، (بَعْدَ ثُبُوتِها) جعل الله زلّة القدم عبارة عن سخط الله ، وثبات القدم عبارة عن رضى الله.
وقيل : معنى قوله تعالى : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) أي فتهلكوا بعد أن كنتم آمنين ، وقال ابن عبّاس : (فتزلّ عن الإيمان بعد المعرفة) (١). قوله تعالى : (وَتَذُوقُوا السُّوءَ ؛) يعني العذاب ، (بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ؛) أي بما منعتم الناس عن دين الله ، (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٩٤) ؛ في الآخرة.
قوله تعالى : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً ؛) أي لا تختاروا الحلف بالله كذبا عرضا يسيرا من الدّنيا ، ولكن أوفوا بها ، (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أي فإنّ ما عند الله من الثواب في الآخرة على الوفاء هو خير لكم مما عندكم ، (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٩٥) ؛ ثواب الله.
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ١٧٣ ؛ قال القرطبي : (مبالغة في النهي لعظم موقعه في الدين وتردّده في معاشرات الناس ؛ أي لا تعقدوا الأيمان بالانطواء على الخديعة والفساد فتزلّ قدم بعد ثبوتها ؛ أي عن الإيمان بعد المعرفة بالله. وهذه استعارة للمستقيم الحال يقع في شرّ عظيم ويسقط فيه ؛ لأن قدم الإنسان إذا زلّت نقلت الإنسان من حال الخير إلى حال الشرّ). وقلت : فالدعوة صريحة إلى حسن النوايا وتحسينها في التعامل وعقد العهود وأخذ المواثيق وإعطائها ، ويا ليت كثيرا من الناس يعلمون ، لصلح الحال لا محالة.