قوله تعالى : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ ؛) أي يفنى ولا يبقى ، (وَما عِنْدَ اللهِ ؛) من الثواب في الآخرة على الوفاء ، (باقٍ ،) هو خير لكم مما عندكم يدوم ويبقى. قوله تعالى : (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا ؛) قرأ ابن كثير وعاصم بالنّون ، وقرأ الباقون بالياء ، ومعناه : الذين صبروا على الوفاء وعلى الطاعة ، (أَجْرَهُمْ ؛) بالطاعات ، (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٦) ؛ دون إسرارها ، ويعفو عن سيّئاتها.
قال ابن عبّاس : (وذلك أنّ رجلا من حضرموت يقال له عيدان بن الأشوع (١) قال : يا رسول الله إنّ الأشعث بن قيس الكنديّ جاورني في أرضي فاقتطعها ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [ليشهد لك أحد] قال : إنّ القوم كلّهم يعلمون أنّي صادق ، ولكنّه أكرم عليهم منّي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم للأشعث : [ما يقول صاحبك؟] قال : الباطل والكذب يا رسول الله ، قال : [أتحلف؟] قال : نعم ، فهمّ بالحلف.
فأخبره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله هذه الآية : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً ...) إلى آخر الآيتين. فقرأهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الأشعث فقال : أمّا ما عندي فينفد ، وأمّا ما بصاحبي فيجزى بأحسن ما كان يعمل ، اللهمّ إنّه صادق في ما قال ، لقد اقتطعت أرضه ، والله ما أدري كم هي ، ولكن يأخذ ما شاء من أرضي ومثلها معها بما أكلت من تمرها. فأنزل الله هذه الآية بعد ذلك في الأشعث (٢) :
قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ؛) أي من عمل صالحا فيما بينه وبين ربه وأقرّ بالحقّ وهو مع ذلك مؤمن (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٧) قيل : المراد بها القناعة بما يؤتى من الرّزق الحلال ، كما روي عن وهب بن منبه أنه قال : (الحياة الطّيّبة هي القناعة بما رزق).
__________________
(١) في الإصابة في تمييز الصحابة : ج ٤ ص ٧٦٠ : الترجمة (٦١٤٩).
(٢) في الإصابة في تمييز الصحابة : ج ٢ ص ٤٧١ : ربيعة بن عيدان : الرقم (٢٦١٩) ؛ قال ابن حجر : (رواه الطبراني من طريق عبد الملك بن عمير عن علقمة بن وائل عن أبيه ... وذكره) ثم قال : (وأصله في مسلم من حديث علقمة دون تسميتهما. وله طرق).