قوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ ؛) أي ما كنت يا محمّد تقرأ من قبل القرآن (مِنْ كِتابٍ) أي ما كنت قارئا قبل الوحي ولا كاتبا ، وقوله : (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٤٨) ؛ ولا تكتبه بيمينك ، ولو كنت تقرأه وتكتب لوجد المبطلون طريقا إلى التّشكيك في أمرك والارتياب في نبوّتك ، ويقولون إنه يقرأه من الكتب الماضية ، فلمّا كان معلوما عندهم أنه عليهالسلام كان لا يقرأ ولا يكتب ، ثم أتى بالقرآن الذي عجزوا عن الإتيان بسورة مثله ، دلّهم ذلك على أنه من عند الله ، ولأنّه كانت صفته في التّوراة والإنجيل : أمّيّ لا يقرأ ولا يكتب ، ولو كنت قارئا كاتبا لشكّ اليهود فيك ، وقالوا : إنّ الذي نجده في التوراة أمّيّ لا يقرأ ولا يكتب.
قوله تعالى : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ؛) قال الحسن : (يعني القرآن آيات بيّنات في صدور الّذين أوتوا العلم يعني المؤمنين الّذين حملوا القرآن على عهد النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وحملوه بعد) (١).
وقال مقاتل : (بَلْ هُوَ) يعني محمّدا صلىاللهعليهوسلم (آياتٌ بَيِّناتٌ) أي دو آيات بيّنات في صدور أهل العلم من أهل الكتاب ؛ لأنّهم يجدونه بنعته وصفته). (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) (٤٩) ، يعني كفار اليهود.
قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ ؛) أي قال كفّار مكّة : هلّا أنزل على محمّد آية من ربه كما كانت الأنبياء تجيء بها إلى قومهم ، أرادوا بها الآيات التي كانوا يقترحونها عليه من قولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) الآية (٢).
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ وخلف : (آية) على التوحيد ، وقرأ الباقون بالجمع.
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير الكبير : الأثر (١٧٣٧٥). والطبري في جامع البيان : الأثر (٢١١٩٩).
(٢) الإسراء / ٩٠.