وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) أي في حكم الله إن شاء أنزلها ، (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥٠) ؛ أي رسول مخوّف لكم بلغة تعرفونها ، وليس إنزال الآيات بيده.
وقوله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ ؛) معناه : أو لم يكن لهم كفاية في معرفة نبوءتك أنّا أنزلنا عليك القرآن الذي تقرأه عليهم بلغتهم مما فيه أخبار الأمم الماضية مع عجزهم عن الإتيان بحديث مثله ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً ؛) أي في إنزال القرآن لرحمة لمن آمن به وعمل بما فيه ، (وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥١) ، أي وذكرى وموعظة لهم.
قوله تعالى : (قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً ؛) أي قل لهم يا محمّد : كفى الله شهيدا بأنّي رسول إليكم ، (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ ؛) أي صدّقوا بالأصنام وجحدوا وحدانيّة الله ، (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٥٢) ؛ بالعقوبة وفوت المثوبة.
قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ ؛) أي يستعجلك كفار مكّة بالعذاب قبل وقته استهزاء وتكذيبا منهم بذلك ، (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ ؛) أي لو لا أنّ الله جعل لعذابه أجلا مسمّى قد سمّاه وهو يوم القيامة. وقيل يعني مدّة أعمارهم ؛ لأنّهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب لعجّل لهم العذاب في الحال ، (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٥٣) ؛ بإتيانه.
قوله تعالى : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٥٤) ؛ فيه تعجيب باستعجالهم مع أنّ جهنّم محيطة بهم في الآخرة ، جامعة لهم ، (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ؛) فلا يبقى جزء منهم إلّا وهو معذب في النار جزاء ، ويقال لهم : (وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٥).
قرأ الكوفيّون ونافع : (وَيَقُولُ) بالياء ، يعني الموكّل بعذابهم يقول لهم ذلك ، وقرأ الباقون بالنّون ؛ لأنه لمّا كان بأمره سبحانه جاز أن ينسب إليه.