نِعْمَتَكَ ؛) يقال : فلان موزع بكذا ؛ أي مولع به ، وقيل : معناه : وفّقني أن أشكر نعمتك ، (الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) و ، وفّقني ، (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (١٩) ؛ في الآخرة.
فإن قيل : بماذا عرفت النملة سليمان ، وعلى أيّ سبيل كانت معرفتها به؟ قلنا : إنّها كانت مأمورة بطاعته ، فلا بدّ أن تعرف من أمرت بطاعته ، ولا يمنع أن تعرف الدوابّ والبهائم هذا الضرب ، كما تعرف كثيرا من منافعها ومضارّها ، والنملة فيها من الفهم فوق هذا ، فإنّا نشاهد صنعها في إدخال رزقها وحفظه وتعهّده ، حتى إنّها تكسر ما تجمعه من الحبوب نصفين نصفين لئلّا تنبت ، إلّا اللّويزة فإنّها تكسرها أربع قطع ؛ لأنّها إذا كسرتها نصفين تنبت ، فالذي هداها إلى هذه الأمور هو الذي ألهمها معرفة سليمان عليهالسلام.
قوله تعالى : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ ؛) أي طلبها وبحث عنها ، والطّير اسم جامع للجنس ، وكانت الطير تصحب سليمان في سفره ، تظلّه بأجنحتها. قوله تعالى : (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ ؛) أي قال : ما الهدهد لا أراه أعينا ؛ أي لحظته فلم تره بين الطير ، (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) (٢٠).
واختلفوا في سبب تفقّده عن حال الهدهد. قال ابن عبّاس : (كان الهدهد يرى الماء من تحت الأرض كما تراه من الزّجاج ، وكان سليمان إذا احتاج إلى الماء في مسيره ، أمر الهدهد حتّى ينظر إلى أقرب موضع من الماء ، فاحتاج في ذلك اليوم إلى الماء ، فلذلك تعرّف عن حال الهدهد).
قال عكرمة (١) : قلت : يا ابن عبّاس ؛ كيف يرى الهدهد الماء وإنّ صيّادتنا يأخذونه بالفخّ فلا يرى الخيط والشّبكة؟! قال ابن عبّاس : (ما ألقى هذه الكلمة على لسانك إلّا الشّيطان ، أما تعلم أنّه إذا جاء القدر ذهب البصر). وعن سعيد بن جبير : (أنّ ابن عبّاس سئل عن تفقّد سليمان الهدهد ، فقال : لأنّه كان يعرف مسافة الماء. وأنّ الصّبيّ يضع له الفخّ فيغطّي عليه بشيء من التّراب فيجيء فيقع فيه ، فقال :
__________________
(١) في جامع البيان : مج ١١ ج ١٩ ص ١٧٥ : (قال له نافع بن الأزرق).